حين يمد العمل لسانه.. لشعار بوش.. ولديماغوجية الديمقراطيين..!

TT

نشأنا مع الخنافس في الستينات. وبفضل الثورة التكنولوجية أصبح كثيرون منا مهنيين من خريجي الجامعات في الثمانينات. أما الآن، فعليكم أن تشدوا أحزمة مقاعدكم، ذلك أنكم قد تخسرون وظيفتكم، في الحال، لصالح أحد «الرشيقين» في العقد الأول من القرن الجديد.

«الرشيقون هنا»، هكذا أعلنت مجلة «آوتلوك» الأسبوعية الهندية، هم الجماعة الهائلة من الشباب الهنود الذين هم أول من بلغوا سن الرشد منذ أن ابتعدت الهند عن الاشتراكية واتجهت غاطسة نحو التجارة العالمية، وثورة المعلومات وحولت نفسها الى مركز خدمات في العالم. وتسمي مجلة «رشيقو الهند لأطفال الليبرالية» وتعرف الواحد منهم باعتباره المقيم في المدينة أو ضواحيها، والذي يتراوح عمره بين 15 الى 25 عاما، والمندفع في نشاطه برشاقة. وينتمي الى الجيل الذي يرمز له بحرف «زد». ويمكن أن يكون ذكرا أو أنثى. يدرس أو يعمل. ويتسم بالموقف المعلن والطموح. وهو هادئ وواثق ومبدع. ويسعى الى التحديات، ويحب المخاطر، ويتجنب المخاوف. ولا يشعر الرشيقون الهنود باثم بشأن الحصول على الأموال أو إنفاقها. وهم، وفقا لما نقلته المجلة عن أحد المحللين الهنود، مندفعون نحو الموضع المقصود وليس نحو القدر، ولديهم سيماء خارجية لا داخلية، ويتجهون، في حركتهم النشيطة، الى الأعلى، ولا يتوقفون في اية محطة من محطات حياتهم.

وتقول مجلة «آوتلوك» ان نسبة 55 في المائة من سكان الهند هم دون سن الخامسة والعشرين، أي 555 مليون نسمة، ويعني ذلك ان 6 من كل عشر عوائل هندية لديها رشيق واحد في الأقل. وستكون شريحة متزايدة منهم (ما يزال معظم الهنود من فقراء الريف) قادرة على القيام بمهنة ذوي الياقات البيضاء وكذلك الحصول على جزء من المال المدفوع. ويصبح الرشيقون الهنود المسألة المثيرة في حملة الانتخابات الرئاسية الحالية في الولايات المتحدة.

وقد وصلت للتو الى بنغالور، وادي الحرير في الهند، للقاء الرشيقين في نهاية تلقي المهن الأميركية. واذا ما حكمت اعتمادا على أعمال البناء الجارية هنا في كل مبنى، وعدد المتقدمين الى كل وظيفة تكنولوجية جديدة، ومشهد الجمهور المحتشد وعوائل الأربعة أفراد ممن تراهم يتحركون برشاقة ونشاط في دراجة نارية، فانك ستكتشف أن بنغالور مدينة مثيرة.

وأخذا بكل هذا في نظر اعتباري، يجتذبني أمران بشأن قضية تصدير العمل هذه: الاقتصاديون على صواب. فالعامل الأكبر في ازالة المهن القديمة واستحداث مهن جديدة هو التغير التكنولوجي، ونظام البريد التليفوني الذي يزيل مهنة السكرتيرة. أما بالنسبة للرشيقين الذين يستوعبون مهنا أميركية أو أوروبية معينة، فانهم سيصبحون مستهلكين، وستزيد الحصة العالمية، وفي نهاية المطاف سنكون جميعا في وضع أفضل. وما دامت أميركا تحتفظ بقدرتها على القيم بأحدث الابتكارات فان الأمور ستكون جيدة على المدى البعيد. ان الحصول على الأموال عبر تحويل مهن أساسية الى الرشيقين، يمكننا من استثمار المزيد من الابتكارات التي تروق للمستهلكين.

ولكن اليكم ما أشعر به أيضا: ان هذا المدى القصير المعين يمكن أن يكون هبوطا حقيقيا، ويؤدي الى انفجار سياسي. ان السرعة المحتملة ومدى هذه الظاهرة في تحويل العمل يجعلان من تأثيرها المحتمل كبيرا ويصعب التكهن به. وإذ ندخل عالما، حيث سعر المعلومات الرقمية ـ تحويلها الى مجموعات قليلة من الآحاد والأصفار، ثم إرسالها عبر شبكة معلومات عالية السرعة ـ ينخفض الى ما يقرب الصفر، فان الأمر يعني أن «موت المسافة» الذي يجري الحديث عنه بفخر موجود هنا فعلا. وذلك يعني أنك يمكن أن تنجز الكثير من المهن من بيتك، سواء كانت تلك معالجة المعلومات أو قراءة أشعة إكس أو اجراء الحسابات الأساسية، أو التشاور مع المحامي، ويمكن، الآن، انجازها، أيضا، من بيت الموظف «الرشيق» في الهند أو الصين.

وبما أن مستويات التعليم في هذه الدول ترتفع الى مستويات التعليم الأميركية، فان الحواجز أمام شحن مهن ذوي الياقات البيضاء الى الخارج تزول، بينما تتصاعد المبادرات. وفي أقل تقدير فإن بعض الأميركيين من ذوي التعليم العالي المعتادين على الرواتب العالية، أي الأشخاص الذين يصوتون والذين يعرفون كيف يكتبون وجهات نظرهم في الصحافة، سيخسرون وظائفهم أو يقبلون برواتب أدنى أو يعملون بوقت جزئي دون ضمانات صحية.

ويقول روبرت رايش، وزير العمل السابق والأستاذ، حاليا، في جامعة برانديز «ان السؤال الأساسي الذي يتعين علينا كمجتمع طرحه هو ما الذي نقوم به ازاء هذا الوضع؟ وبالنسبة للمبتدئين فانه سيتعين علينا أن نكون جديين بشأن بعض الأمور التي نثرثر عنها، مثل التدريب المهني، التعليم المتواصل، وضمانات الأجور. وربما نحتاج الى الترحيب بالمزيد من التنظيم والعمل النقابي في مجال الخدمات الشخصية، مثل أعمال البيع بالتجزئة والفنادق والمطاعم والمستشفيات التي لا يمكن أن تنقل الى الخارج، من أجل خلق الاستقرار في أجور هذه المهن وإعانات الرعاية الصحية.

ويضيف رايش انه وكإجراء انتقالي قد ينبغي عدم السماح للشركات بخصم السعر الكامل لنقل العمل، وايجاد ضريبة صغيرة يمكن أن تستخدم لمساعدة الناس على التكيف مع هذا الوضع.

وأيا كان الحال فان معالجة هذه الظاهرة ستتطلب استجابة سياسية عامة، أي ما هو أكثر جدية من شعار بوش القاضي بترك أمر تسوية القضية الى السوق، أو ديماغوجية المرشحين الديمقراطيين، الذين يبدو أنهم يريدون أن يجعلوا نقل العمل يرقى إلى مستوى الخيانة ويستحق العقاب عليه شنقا.

آن الأوان لأن نصبح واقعيين.

* خدمة «نيويورك تايمز»