الصخرة توقع سيسفوس

TT

في هذا النزاع المصيري مع العرب، اضطرت اسرائيل، كما ذكرت سابقا الى بذل قصاراها لتخريب بيتهم بشتى السبل، منها جرهم للحروب، وجر الغرب لمهاجمتهم. تآمرت في 1956 مع بريطانيا وفرنسا على ضرب مصر. في 1980 اغرقت الاعلام العالمي بالتقارير عن تمزق ايران وانهيار قوتها العسكرية بما اغرى صدام حسين الساذج على غزو ايران واغراق بلاده في حرب مهلكة لثماني سنوات. في 2004 اتضح الآن دور الخداع الذي لعبته المخابرات الاسرائيلية في غش البنتاغون بشأن حصول صدام حسين على اسلحة الدمار الشامل، كواحد من المهووسين برصد المؤثرات الاسرائيلية على السياسة الغربية، انصرف ذهني فور احتشاد القوات الامريكية على العراق الى الدور الاسرائيلي في هذه الحملة. ولكني لم أجد دليلا على تكهناتي حتى فبراير الحالي عندما اتضح ان رئيس الموساد افرايم هلفي عقد اجتماعا مغلقا في 2002 مع قادة النيتو وادلى لهم بأن العراق استأنف نشاطه في انتاج اسلحة الدمار الشامل وانه يملك القدرة على انتاج الاسلحة الكيمياوية والبايولوجية. ومن ناحيتهم اعترف مؤخرا المسؤولون الامريكان انهم تلقوا مثل هذه التأكيدات ايضا من مصادر عراقية عرف عنها تعاملها مع اللوبي الصهيوني واسرائيل واتضح انها كانت مغشوشة.

وفي هذه الاثناء صرح يوسي ساريد، عضو لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست ان اسرائيل كانت في الواقع تعلم بأن العراق لم تكن عنده هذه القدرات ولا كان في معرض انتاج هذه الاسلحة ولكنها لم تخبر الولايات المتحدة بعلمها هذا وتركت الرئيس بوش يواصل سيناريو الحرب. (إيه. بي والغارديان 2004/2/4). لا أدري اذا كان المسؤولون الامريكان الذين اعتادوا على اعتبار اسرائيل حليفهم الأول في الشرق الاوسط، قد ادركوا الآن انها ليست بذلك الحليف الذي يمكن التعويل على مصداقيته أو اخلاصه. والطريف في الأمر، انه فيما تتهالك شتى لجان التحقيق في لندن وواشنطن على التحقيق في الخطأ وكيف وقعت مخابراتهما فيه ومن قام بتضليل وغش الحكومة والجمهور، لم يجرؤ احد، ربما غير كاتب هذه السطور، على الاشارة للمصدر الحقيقي للغش. السناتور جون مكين الذي كلفه بوش بالتحقيق في الخطأ، اكتفى بالاشارة الى «اخفاقات في المخابرات العالمية».

«العالمية» هي الكلمة المهذبة والخائفة لكلمة «الاسرائيلية». وكان ذلك الغش الاسرائيلي حاسما فقد صرح كولن باول بأنه ما كان قد امر بغزو العراق لو عرف بعدم وجود هذه الاسلحة. ولكن الغش الاسرائيلي تلاءم مع المخطط الامريكي للشرق الاوسط، وكلاهما في رأيي تلاءما مع مصلحة الشعب العراقي في التخلص من نظام صدام. فلا خير يرتجى للعراق طالما بقي لعبة في يد رجل مجنون تحيط به زمرة من الجهلة والجبناء والانتفاعيين الفاسدين. تأملت في الأمر كثيرا وخلصت الى هذا الرأي: حتى لو سقط العراق برمته بيد شارون نفسه، فبعيدا عن عواطف العز والكرامة القومية، سيكون شارون ارحم بالشعب العراقي، بالعامل والفلاح والضعفاء، من صدام حسين. فشارون لا يجرؤ على الاستهتار بالقوانين واتفاقيات جنيف والرأي العام العالمي وأرواح الناس وسلامة الأدباء والمفكرين بالشكل الذي استهتر به صدام حسين.

ولكن لماذا هذا الدفع الاسرائيلي لجر الامريكان لغزو العراق؟.