ربيع طهران

TT

في يوم يفوز محمد خاتمي بـ 26 مليون صوت، وفي غداته يلغي المتشددون الوجود الاصلاحي والحركة الاصلاحية عن طريق صناديق الاقتراع. لا بد ان في المسألة التباساً ما. وفي اي حال لقد حدث تغيير هائل في ايران. وفي المنطقة. وفي المعادلات السياسية. فإذا كنا الى امس نحسب الاشياء بالقول، ما قبل العراق وما بعد العراق، فإن علينا ان نضيف الآن، ما قبل ربيع طهران وما بعد احراقه الاخير.

لقد حسمت معركة طويلة بين فريق يؤمن بحكم الرجل الواحد وحكمته ويضعهما فوق كل الخيارات او الاجتهادات، وبين فريق يعتبر ان استمرار الثورة الاسلامية مرتبط بمدى انفتاحها على اماني الاجيال الشابة ومدى قبولها للحدود الدنيا من معايير الحرية في التعبير وفي نظم الوجود. ولم يكن ممكننا ان تقبل مؤسسة المتشددين بسهولة. ان تفقد مواقعها ومكاسبها ومفاتيح السلطة. فالتطور الاصلاحي كان يعني، بكل بساطة، الالغاء التدريجي لقواعد التشدد. وعندما ارتضى الفريق الابوي التعايش مع افكار الرئيس خاتمي ونهجه قبل بفوزه الشعبي، لكنه ابقى لنفسه الفوقية العليا. فالقرار الديني الذي لا يرد هو في يد المرشد الاعلى، وقرار التحكيم في يد هاشمي رفسنجاني المؤتمن على «النظام». اذن لم يبق للرئيس سوى ان يتقبل، بابتسام، اغلاق الصحف الاصلاحية ومقتل الفنانين والكتَّاب والحكم بالسجن على محافظ طهران الذي كان الاكثر فعالية وطليعية في تاريخ المدينة الحديث.

طبعاً ارتكب الاصلاحيون خطأ تفصيلياً في مقاطعة الانتخابات. لكن ذلك لم يكن ليغير شيئاً في النتائج. فالقرار متخذ منذ فترة ومسألة الاقتراع نسبية جداً في العالم الثالث. فليس في ايران وحدها تتم الدعوة الى الانتخابات من لون واحد وفئة واحدة. وليس في ايران وحدها يمنع المرشحون من خوض المعركة. وليس في ايران وحدها يفوز المرشح الواحد بالرئاسة او بالنيابة او برئاسة او حتى بعمدة القرى. لقد قال عزت الدوري تلك الحكمة الشرقية التي اختصرت كل مفهوم الحوار عندما اعلن في اجتماع جدة الشهير عام 1990 انه يحق للشيخ سعد العبد الله ان يحضر الاجتماع شرط الا يقول كلمة واحدة.

هذا هو الحق الذي سيتمتع به الاصلاحيون في طهران بعد اليوم. وقد كان المرشد الاعلى واضحاً: «الشعب الايراني هو الفائز في هذه الانتخابات وان الاميركيين والصهاينة واعداء ايران هم الخاسرون». تلك هي التهمة التي لاحقت، مداورة، محاولات الرئيس خاتمي لاقامة علاقة متطورة مع اوروبا وعلاقة عادية مع اميركا. والطلاب الذين تحركوا في جامعة طهران قبل عامين اتهموا بالتأمرك والصهينة. ومثل هذه التهم قادرة على نبذ من تلصق بهم من المجتمع او العمل السياسي. وفي اي حال لقد خرج الاصلاحيون وعادت ايران الى الحزب الواحد والصوت الواحد. وسوف ينعكس فوز المتشددين بصورة حتمية على الوضع في العراق، وهو وضع كان متقلباً ومتفجراً في الاساس. ولا بدَّ ان تكون له انعكاساته على بعض دول الخليج. وسوف يكون الكثير من القرارات في يد الرجل المسؤول عن «تشخيص مصلحة النظام». وهو موقع غير مسبوق في العالم، اثبت السيد رفسنجاني انه مفصل تفصيلاً لقدراته في الصبر وفي الرصد وفي الانتظار.