بين الأمن والسوق

TT

تدور معركة «مؤدبة» بين الاجهزة الحكومية السعودية ونحو 25 من اصحاب المهن بعد ان تقرر فرض توطين العمالة «بالاكراه».

ودارت رحى المعركة في اسواق الذهب التي تعتبر ثاني امتحان بعد اسواق الخضار التي كسبتها الدولة. النتيجة المبدئية ان ثلث اسواق الذهب، كما يذكر تقرير صحفي، اغلق في تحد للقرار الرسمي.

ومع انها معركة بلا دماء ورصاص ودعاية صاخبة الا انها حاسمة في المجال السياسي والامني في بلد تجاوز عدد العمالة الاجنبية فيه الستة ملايين جاءوا من اكثر من 120 دولة في العالم في وقت يتضاعف عدد المتسكعين المحليين الذين هم قنبلة موقوتة.

وفي هذا الوضع الغريب، تزايد الاستقدام وارتفاع البطالة، انتقل القرار من غرف اهل الاقتصاد الى مكاتب رجال السياسة. ضربت الحكومة بقوانين السوق عرض الحائط حيث ان لدى رجال الاعمال حججا دامغة لكنها ليست كافية. في نظرهم ان السوق تتطلب عمالة رخيصة مطيعة حتى تحقق النجاح المطلوب، ومن اجل تخفيض اثمان بضائعهم.

اما الامن السياسي للسوق فله رأي مختصر يقول انه لا يعقل ان تفد طائرات البوينج محملة كل يوم بآلاف الموظفين الجدد من انحاء العالم في وقت تكتظ السوق المحلية بالعاطلين. ولا شك ان الحكومة ستنتصر لانها تملك اهم سلاحين، سلطة التنفيذ ودعم الشارع، ولن تفلح تهديدات الاغلاق والسوق السوداء والانتقال الى اسواق خليجية مجاورة. لم يتبق امام التجار سوى حل اخير وهو ان يأكلوا ذهبهم والحكومة واثقة ان الاعراس ستستمر بدون صاغة الذهب وتجاره. هذه الخطوة الشجاعة، على اعتبار ان المعركة ستشمل 24 مهنة اخرى، ستقلب المعادلة السياسية الاقتصادية المضطربة. ستمتحن من خلال سياسة فرض الامر الواقع مبدأ ارتباط الامن بالسوق، وعلاقة البطالة بالارهاب. وهي علاقة مشكوك في صحتها منذ البداية ولا يضير ان تضرب التجربة عصفورين بحجر. فالمشكلة الامنية ليست مرتبطة بالبطالة والا فان زعيم الارهاب، بن لادن، نفسه تحدر من اسرة كل افرادها يعملون في رأس السلم الاقتصادي. لكن هناك ارهابا محتملا في المستقبل ينشأ عن كتائب العاطلين في بلد يصنف انه من اغنى دول المنطقة. ولو استطاعت الحكومة من خلال فرض قراراتها بالقوة امتصاص ازمة العمل فانها لا تواجه ارهاب اليوم بل ستتصدى لارهاب الغد. اما ارهاب اليوم فانه مسألة ثقافية تطال الموظفين قبل العاطلين، والمثقفين قبل الاميين وتحتاج الى اغلاق دكاكين الفكر المستورد من الجيران.