أصدقاء العراق.. وأعداؤه!

TT

في الاسبوع الماضي عقد ممثلو 22 دولة تؤلف مجموعة «اصدقاء العراق» اجتماعا في نيويورك حضره الامين العام للامم المتحدة السيد كوفي انان ومبعوثه الى العراق السيد الاخضر الابراهيمي.

احد هؤلاء الممثلين اعلن في ختام الاجتماع ان بلاده، اليابان، انفقت حتى الآن مئة مليون دولار فقط مما رصدته لاعادة اعمار العراق فيما الباقي، وهو اربعة مليارات و900 مليون دولار، لم يزل ينتظر ـ حسب تعبير الممثل الياباني ـ المشاريع التي ستستثمر فيها هذه الاموال الطائلة، ملمحا بذلك الى العرقلة الحاصلة في عملية اعادة الاعمار.

ولا شك في ان الممثل الياباني عبّر ايضا عن وجهات نظر سائر «اصدقاء العراق» الذين تعهدوا بتقديم عشرات مليارات الدولارات والتسهيلات اللازمة لمساعدة العراق في استعادة عافيته.

وما يحول دون استعادة العراق عافيته وتنفيذ النوايا الطيبة لاصدقائه هو هذا العمل الجبار المناهض لاستقرار العراق من جانب اعداء العراق. واذا كان اصدقاء العراق 22 دولة فان اعداءه اكثر عددا واشد بأسا.

واول اعداء العراق هم بعض جيرانه الذين لا يرون في ما جرى للعراق الا انه اصبح ساحة لتصفية حسابات لهم مع بعضهم البعض او مع الولايات المتحدة. بل انهم يحوّلون العراق الى جبهة للردع الوقائي.. لتصفية مبكرة لحساباتهم مع عراق ما بعد صدام.. العراق الديمقراطي، التعددي، الفيدرالي، فهذا هو الخطر الداهم بالنسبة لهم.

ومن اعداء العراق ايضا الحركتان الاصوليتان المتطرفتان، الاسلامية ـ بشقيها السني والشيعي ـ والقومية العربية. فهاتان الحركتان هزمتا واندحرتا في كل جبهات صراعهما الطويل، وانهار مشروعاهما اللذان اصبحا في ذمة التاريخ، لكنهما لا تريدان التحلي بالروح الرياضية فتقران بالهزيمة. ويلوح لهما الآن ان العراق يمكن ان يكون متراسهما الاخير. وهذا، في الواقع، من احلام العصافير.

اما اشد اعداء العراق فتكا به الآن فهم بعض اهله.. انهم بالدرجة الرئيسة طبقته السياسية، الحاكمة والمعارضة على السواء.. انهم هذا الشيعي الذي لا يرى غير ان دولة السنة قد سقطت فلتقم دولة الشيعة على انقاضها.. وهذا السني الذي لا يرى سوى ان الشيعة قادمون وان عليه ان يقاتلهم حتى الرمق الاخير.. وهذا العربي الذي لا تهيمن عليه الا فكرة ان فيدرالية الاكراد انفصالية.. وهذا التركماني الذي يمشي في اثر هذا العربي ويفكر بأسوأ مما يفكر به العربي.. وهذا الكردي التائه في متاهة الماضي المأساوي والذي يريد حرق المراحل حرقا في يوم وليلة.

ومن اشد اعداء العراق فتكا هذا العضو في مجلس الحكم او الحكومة الذي لا ذمة له ولا ضمير.. لا شغل لديه ولا همّ سوى السرقة من مشاريع اعادة الاعمار وتأمين العقود والصفقات لنفسه ولاخوته وابناء خؤولته وعمومته واقطاب حزبه، بينما الخراب يحيط به من كل الجهات.

لكي تجد النوايا الطيبة لاصدقاء العراق طريقها الى التنفيذ يحتاج العراق الى ان يصبح اعداؤه ـ وبخاصة الداخليين ـ اصدقاء له. وهذا يتحقق فقط عندما تنضج الطبقة السياسية العراقية وتتعلم كيف تمارس السياسة على اصولها وتقتنع بان العراق لن يكون ـ وليس من مصلحته ان يكون ـ دولة شيعية او سنية، او عربية او كردية او تركمانية.. فالعراق لا يليق به ـ وليس من مصلحته ـ الا ان يكون دولة للشيعة والسنة.. للمسلمين والمسيحيين والصابئة واليهود والازيدية.. للعرب والاكراد والتركمان والكلدان والاشوريين، والارمن ايضا، من دون حصص ونسب.

[email protected]