عبث في الوقت الضائع

TT

آخر نكتة تتداولها الموبايلات، تنص على ان محمد البرادعي بعد زيارته التفتيشية الاخيرة على الجماهيرية صرح بعد انتهاء الزيارة بقوله: لم نجد أسلحة دمار شامل لكننا وجدنا الدمار شاملا.

وهذه، ليست نكتة طبعا بل توصيف حال شديد الواقعية لا ينطبق على الجماهيرية وحدها التي تبردعت بمزاجها بل على معظم أقطار العالم العربي بثورييها ومستقليها ومتبردعيها وقد وجد هذا العالم، الذي لا يفرق فيه العبث عن الواقع في شيء، حجة جديدة ليرفض الاصلاح والديمقراطية ويواصل السياسات التي صنعت الدمار الشامل في أكثر من قطر. فالاصلاح الديمقراطي يأتي هذه المرة مفروضا من الخارج ونحن، ما شاء الله علينا والهي يحرسنا من عين الذين يرهنون سيادتهم للخارج، كل شيء عندنا مستقل وينبع من قرارات الداخل ولا أثر للاملاءات الخارجية علينا.

ونظرا لنجاح ذاك الاستقلال الفريد فكل شيء عندنا يسير الى الامام من جراء استقلالية القرار، بدليل اننا كنا نشكك من دون خجل بشرعية اسرائيل كلها قبل نصف قرن والآن نكتفي بالتشكيك الخجول بشرعية الجدار.

وفي العراق الذي صار حائط مبكانا بعد فلسطين، كل شيء يسير على ما يرام، فالصليب الاحمر يطمئننا على ان صحة الرئيس المخلوع بخير، وبعد هكذا خبر مفرح من هيئة دولية مستقلة كهيئة البرادعي لا بأس ان يموت ألف عراقي كل شهر بالايدي العراقية، فالعالم يشكو من كثافة سكانية ونحن نتبرع دوما لحل مشاكل الدنيا على حسابنا! ألسنا أحفاد حاتم الطائي...؟

وعلى ذكر الأخير فقد بدأ النصارى ينافسون المسلمين على ملكية حاتم، فان أخذوا رمز الكرم العربي وأخذ اليهود السموأل رمز الوفاء بالعهود والمواثيق نصبح في حل من مكارم الاخلاق الكبرى التي كانت تميزنا كبشر، فعنترة رمز الشجاعة أخذه الافارقة منذ زمن طويل لا ليتشجعوا بسيرته على اصلاح حالهم بل ليثبتوا تورطنا في تجارة العبيد.

ان حالتنا بعد ضياع هذه الرموز وقبلها تصعب على المؤمن والكافر معا وان لم تصدقوا الرموز والاخلاقيلات والسياسات المستقلة فانكم لا تستطيعون وان اردتم تكذيب الارقام، وآخر ما نشر منها احصائية منسوبة الى الدكتور حسين سليمان مسؤل قطاع الثروة الحيوانية في مصر ووكيل اول وزارة الزراعة فيها.

ويؤكد المسؤول في احصائيته ان المزارع والراعي يحتاجان الى 15 جنيها يوميا كحد ادنى لغذاء الرأس الواحد من الماشية وتحديدا الماعز والغنم، فرأس البقر يكلف أكثر بكثير من ذلك المبلغ الذي بالكاد يكفي الغنمة لوجبتين من العلف المتوسط الجودة.

ولو قارنت تكلفة رأس الغنم بكلفة رأس الانسان يوميا في عدة دول عربية لوجدت ان البشر يكلفون أقل حسب الاحصائيات الرسمية، وهذا طبيعي جدا وواقعي ولا يدخل في حقل العبث، فالسياسات الرشيدة المستقلة حولت الشعوب بحرمانها من المشاركة في الثروة والقرار الى كم مهمل لا حساب له في المعادلات الدولية، وبما ان الفلاسفة يعرفون الانسان بانه حيوان ناطق فانك وحين تحرمه من النطق والتعبير والقرار تنمحي الفروق وتتساوى الرؤوس المعطلة عند «ذوات الاربع والاثنتين» في التفكير والتدبير والتأثير، بل ويظل حال الغنم أفضل فهي تتم التضحية بها في عيد واحد بينما ذبح البشر - عمال على بطال- في المواسم والاعياد كلها وبقرار داخلي مستقل يراعي المصلحة الوطنية التي نخاف عليها من الاصلاح المفروض من الخارج من دون ان نسمح للداخل ان يفرض اصلاحه.

ألم يقل البرادعي لا توجد أسلحة دمار شامل لكن الدمار الشامل في كل مكان.

فلماذا يتعب من يريدون القضاء علينا أنفسهم في انتاج الاسلحة؟