حلم أميركي يهدده مكسيكيون

TT

أثار كتاب العالم السياسي المعاصر صامويل هنتينغنتون «تصادم الحضارات» نقاشا عالميا، وهذه المرة يرى هنتينغنتون صداما حضاريا آخر يجري داخل الولايات المتحدة. ففي كتابه الموشك على الصدور قال إنه «في هذه المرحلة الجديدة يُطرح هذا السؤال: من نحن»، وهذا هو «أكثر الأسئلة تحديا وجدية بما يخص هوية الولايات المتحدة التقليدية، وهذا ناجم عن استمرار الهجرة المكثفة من اميركا اللاتينية، خصوصا من المكسيك».

ويحاجج هنتينغنتون في كتابه بأن هؤلاء المهاجرين هم ليسوا مثل المهاجرين الأوائل، إذ أن الكثير منهم لا يرغب في الاندماج الكامل بالمجتمع الجديد. «فمع تزايد عددهم يشعر الأميركيون من الأصل المكسيكي براحة أكثر مع ثقافتهم التي هي على الأغلب مزدرية للثقافة الأميركية».

فالمهاجرون القادمون من المكسيك واميركا اللاتينية حسب رأيه لا يسعون إلى تسلق سلم النجاح بسبب بطئهم في تعلم الإنجليزية. وهم يظلون ساكنين في الأحياء المكتظة بأبناء اميركا اللاتينية ولا ينوون التفرق مثلما تفعل المجموعات الأخرى، ومستوى تعليمهم حتى بالنسبة للجيل الرابع من المهاجرين يبقى دون مستوى تعليم جموع المهاجرين الآخرين، وهناك احتمال قليل جدا أن يبدأوا في إنشاء شركات أو عمل يقودهم إلى وظائف إدارية أو حرفية.

ويستنتج هنتينغنتون أن هؤلاء المهاجرين لا يشاركون الأميركيين فيما هو أولي بالنسبة للعقيدة الأميركية من حيث تحديده لهويتنا القومية وثقافتنا السياسية. فهم غير مشدودين للحلم الأميركي المستند إلى تحقيق النجاح الفردي، إذ «هناك حلم أميركي واحد صاغه المجتمع الأنجلو ـ بروتستانتي ولن يشارك الأميركيون من أصل مكسيكي بهذا الحلم والمجتمع إلا إذا بدأوا يحلمون بالإنجليزية».

لكن هنتينغنتون لا يتوقف عند هذه النقطة. وإذا أردتم أن تقرأوا مقاطع من كتابه فإنكم تجدونها في العدد الجديد من مجلة «السياسة الخارجية»(Foreign Politics)، وفي هذه الدراسة تجدون أن هنتينغنتون وضع عددا كبيرا من الأدلة لدعم مزاعمه، لكن أكثر الأدلة إقناعا هو ما وجهه ضد نفسه. فاندماج الاميركيين من أصل مكسيكي هو موضوع معقد لأنهم يشكلون فئة متنوعة في تركيبتها. فالمتعلمون منهم اندمجوا; أما أولئك الذين يأتون من قرى فلاحية فيحتاجون إلى وقت أطول. لكنهم في طور الاندماج.

ومن السهل إيجاد أدلة تؤكد صحة هذا القول. ففي كتابهما «إعادة تكوين الاتجاه الأميركي السائد» أشار المؤلفان ريتشارد ألبا وفيكتور ني إلى أن هناك بعض المناطق على الحدود يكون المهاجرون المكسيكيون فيها بطيئين في تعلم الإنجليزية لكنهم يعرفون أنهم لن يستطيعوا التقدم إلا إذا أتقنوا هذه اللغة. ومع ظهور الجيل الثالث أصبح 60% من الأطفال الأميركيين ذوي الأصول المكسيكية يعرفون الإنجليزية فقط ويستعملونها داخل بيوتهم.

في المقابل ليس صحيحا أن الأميركيين من أصل مكسيكي يقبعون في قاع السلَّم الاقتصادي. فحسب تحليل للمعلومات المستخلصة من إحصاء عام 2000 أجراه المخطط دويل مايرز اتضح أن المهاجرين من اميركا اللاتينية ماهرون في الخروج من دائرة الفقر. إذ يوجد 68% من أولئك الذين جاءوا إلى هذا البلد خلال الثلاثين عاما الأخيرة يمتلكون بيوتهم. كذلك فإن المهاجرين المكسيكيين منتشرون في شتى أنحاء الولايات المتحدة. وحينما يكون لديهم أطفال فهم يميلون إلى فقدان صلاتهم بقراهم المكسيكية والبدء بغرز جذورهم هنا. وإذا نظرتم إلى المعلومات المستخلصة من ميدان المستهلكين ستجدون أنهم ربما ينفقون على ملابس أطفالهم أكثر من السلع الالكترونية مقارنة بالأميركيين الأصليين، لكن ليس هناك فروق مهمة بين أنماط العيش التي يتبعها الأميركيون من أصل مكسيكي عن الأميركيين الآخرين. فهم جميعهم يخدمون في الجيش ويضحون بحياتهم من أجل هذا البلد بمعدلات متقاربة.

بصراحة هناك شيء غريب في استخدام هنتينغنتون لتعبير «الأنجلو ـ بروتستانت» لوصف الثقافة الأميركية. ليس هناك شك بأننا جميعا قد تمت صياغتنا وفق الإرث الذي تركه جوناثان إدواردز وبنجامين فرانكلين لكن العقلية التي تشد بعضنا إلى بعض لم يتم وصفها بشكل جيد باستخدام مفردتي الـ«أنجلو» أو الـ«بروتستانت». فنحن مشدودون بعضنا إلى بعض لأننا كأميركيين نتشارك النظر في ما يخص المستقبل. التاريخ ليس دائريا بالنسبة لنا. والتقدم لا يأتي بشكل تدريجي بل يمكن تحقيقه عبر وثبات جريئة. هذه العقلية تغلي في مناطق الهيسبانك (المتحدرين من اميركا اللاتينية) مثلما يستطيع أن يرى ذلك أي زائر لها.

هنتينغنتون على حق حينما يقول إن الأميركيين من أصل مكسيكي متأخرون في المدارس، لكن ذلك يعود بالدرجة الأولى إلى أننا لم نساعدهم. فآلية الاندماج التي نستخدمها معطلة حاليا. لكن إذا أغلقنا حدودنا أمام الهجرات الجديدة فإننا في هذه الحالة نتخلى عن طاقات جديدة ومذاقات جديدة ونضالات جديدة تسعى إلى الاندفاع بقوة إلى المستقبل.

هذا هو التهديد الحقيقي للعقيدة الأميركية.

* خدمة «نيويورك تايمز»