يمنع من الدخول

TT

أتحاشى الحديث بتفصيل حول الرأي في الانتخابات البحرينية، فلا أريد أن أزايد على معارضتها. وأتجنب الخوض في تفاصيل المادة 104 من الدستور الجديد، على اعتبار أن أهل مكة أدرى بشعابها. ولا شأن لي مباشر في معارضة حكومة مملكة البحرين، ولكني في كل مرة أشيد بما وصل إليه حال الحريات في مملكة البحرين مقارنة بما كانت عليه الأوضاع في السابق.

فالمنصف لا يمكن إلا أن يسجل لبحرين اليوم أنها فتحت السجون، وأغلقت المعتقلات، وسمحت بعودة المبعدين، وأجرت انتخابات شارك فيهاـ من الجنسين ـ أكثر ممن قاطعها، وجددت جوازات من حرموا من العودة إلى بلادهم، وشهدت وتشهد هذه الأيام مساحات واسعة من الحوار والجدل الديمقراطي الذين انقطع عنها لفترات طويلة. ولكل حال من الأحوال السياسية دوما مؤيدوه ومعارضوه.

فهناك معارضة بحرينية ترفض المشاركة في العملية السياسية الجديدة، وتنفي دستوريتها ومشروعيتها، وتطالب بالعودة إلى دستور 1973، وترى فيما جرى انقلابا ورجعة عما تحقق. ولا يتفق جميع البحرينيين مع هذا الموقف، فلقد قال الشعب كلمته في الانتخابات ونسبة من شارك فيها. ويسجل لصالح البحرين اليوم أنها تسمح حتى بمعارضة الدستور القائم الذي توج بالانتخابات.

وقد عقدت المعارضة قبل أيام مؤتمرا لها دعت اليه عدة شخصيات سياسية وبرلمانية عربية وغير عربية، ولم تقم الجهات الرسمية الحكومية في البحرين بمنع المؤتمر ولا تغطيته إعلاميا، وهذا يسجل لها، ولكنها أعطت المؤتمر والمؤتمرين دعاية إعلامية مجانية سلطت عليه الأضواء حين منعت المشاركين في هذا المؤتمر من الخارج من دخول البحرين، الأمر الذي نسف الروح الديمقراطية البحرينية الجديدة وعزز من حجة المعارضين لما تحقق من منجزات على مسيرة الديمقراطية.

وإذا كان البعض قد يبرر الإجراء البحريني بحجة أن المؤتمر شأن بحريني لا يحق للآخرين التدخل فيه، فإني لا أفهم السبب الذي دفع الكويت لمنع دخول اثنين من المعارضين البحرينيين إلى الكويت بعد انتهاء المؤتمر بأسبوع، فهؤلاء مواطنون خليجيون جاءوا في زيارة خاصة إلى بلد خليجي، ولم يكن قصدهم المشاركة في مؤتمر للمعارضة في الكويت لأنها شبه معدومة أصلا، ولم يتم إبعادهم من الكويت في السابق لارتكابهم جرائم فيها، ولا هم من المطلوبين في بلادهم كي يتم ترحيلهم مخفورين بشكل رسمي، ولم يصرح حتى كتابة هذا المقال أي مسؤول أمني كويتي عن سبب منع الشخصيتين البحرينيتين من الدخول. الصحافة الكويتية عزت أسباب المنع إلى طلب بحريني رسمي. والحكومة البحرينية نفت أن تكون قد طلبت من الكويت منع أي من مواطنيها، مؤكدة حريتهم في السفر والترحال عن المملكة وعودتهم إليها متى شاءوا، واحتار المراقبون.

لم يكن الإجراء البحريني ـ في رأيي ـ إجراء موفقا، ولم أجد للإجراء الكويتي مغزى ولا معنى حتى الآن. ومثل هذه الإجراءات قد ولى زمانها وأكل عليها الدهر وشرب، لا بل إنها تصب في صالح من يتصيد على أنظمة الخليج عموما، ولا تخدم التوجهات الإصلاحية التي علت أصواتها في هذه المنطقة مطالبة بها ومناهضة لسياسات المنع وفلسفة الإبعاد.

في الكويت والبحرين روح ديمقراطية، وشعبان ديمقراطيان، والإجراءات الأخيرة التي تمت في البلدين لا تنسجم أبدا مع رياح التغيير الإيجابية السائدة.