مختبر هايتي للديموقراطية

TT

اذكر ذلك تماماً كأنه اليوم. حدث الأمر قبل بضع سنين. وزير خارجية بيل كلنتون في ولايته الاولى، المستر وارن كريستوفر، يحمل الديموقراطية الى هايتي، اولى الجزر التي وصلها كولومبوس. المستر كريستوفر يطرد، بصوته الخافت. الزمرة العسكرية الحاكمة ويطرب لانتخاب الكاهن العائد من المنفى. الأب اريستيد، رئيساً للجمهورية. وداعا للديكتاتورية. وداعاً لدوفالييه الأب الذي لم يكن يتخذ حراسه الا من النساء، ووداعا لجان كلود دوفالييه الابن، الذي انتهى في فرنسا يتنقل من شقة لاجئ من مواطنيه الى اخرى. لقد جردته زوجته من كل شيء بعدها ارغمته على ان يفرغ البلاد من آخر فلس.

في اي حال، جاء الأب اريستيد في مهرجان ديموقراطي رائع، يتقدمه وزير خارجية اميركا. واني احيل جنابكم على ما كتبته انذاك. لكن ذلك ليس مهماً كثيرا. فقد توقعت ان تقوم في هايتي ديكتاتورية جديدة بزعامة اريستيد. وقلت ان ثيابه ومظهره لا يختلف بشيء عن دوفالييه. وقلت ان اخراج اريستيد سوف يكون اكثر صعوبة ودموية بكثير من اخراج دوفالييه.

ذهب اريستيد في المرة الاولى بعد فترة «انتقالية» ثم عاد. وادركنا انه عاد لكي يبقى حتى آخر نقطة دم في آخر مواطن هايتي. فالزرع الديموقراطي الذي اجراه المستر كريستوفر كان مضحكاً. والديموقراطية لا تحمل بالانابيب. والشعوب الجائعة والمضطهدة والخارجة من السجون، تريد ان تتعلم تناول الطعام قبل الوصول الى مرحلة التقاط مطر الديموقراطية المتساقط من الجو، او من اكمام المستر كريستوفر.

محزن ان تنهار تجربة هايتي في الوقت الذي تلقى فيه الديموقراطية في العراق نجاحاً منقطع النظير في مرحلة انتقالية سلمية هادئة مثل بحيرة البجع للعزيز تشايكوفسكي. ومحزن ان يتهاوى صدام خلف صدام في هايتي من دون ان يكون لدى الجارة الاميركية اي بديل. ومحزن ان يخرج ممثل اميركا ومرشحها الى الديموقراطية بالطريقة التي يخرج فيها.

ليس هذا هو الوقت المثالي فيما يعلن الرئيس جورج بوش بثقة نفس رائعة وطمأنينة خارقة «ان الشرق الاوسط اصبح مكانا اكثر امنا الآن». اين انت يا ساحة «تين ان من»، ساحة «السلام الدائم» كم انت جميل ايها الشرق الاوسط المفعم بالهدوء، الساكن مثل الليل في اعماق الغابات. تعالوا الى الشرق وهلموا ايها الباحثون عن الطمأنينة والسكينة والسلام.

منذ فترة طويلة لم اعد اتابع اخبار هايتي. فقط من حين الى آخر. اتسقط اخبار جان كلود دوفالييه في مجلات الثرثرة الفرنسية. او بالاحرى قرأت عنه في كتاب وضعه صحافي ايطالي قبل عامين عن 7 ديكتاتوريين سابقين. كان جان كلود سيء التدبير. لقد صرف جميع الملايين التي جمعها. بضعة ملايين في اي حال. ولا كوبونات على الاطلاق. وقبل ايام كان عراقي غاضب يقول ان صدام حسين جاء الى الحكم وفي الخزينة 50 مليار دولار وخرج وهي مدينة باربعماية مليار دولار. ونسي صاحبنا مئات المليارات التي ذرت في الهواء، اما في العراق او بسببه.

واخيرا ملحوظة توضيحية الى بعض الناسخين الجدد في صحف الانترنت: ما سبق اعلاه هو نقد للنظام العراقي السابق. ارجوكم ان تقرأوا جيدا.او ان تطلبوا من صاحب عقل ان يقرأ لكم. كما ارجو من الزملاء اصحاب هذه الصحف ان يكبدوا انفسهم عناء الاطلاع على ما ومن يكتب لديهم. لا وسيلة اخرى لوضع حد لكل هذه الكمية من الفهم.

رجاء. لا تحملوا ضمائركم.