بقايا «طالبان» تفتح سجونا متفرقة للنساء

TT

أعلن الرئيس الأفغاني حميد كرزاي، هذا الأسبوع، أن «طالبان كحركة ما عادت موجودة». قد يكون ذلك صحيحا. بالنسبة لكابل على الأقل، هناك إرث رهيب من أيام طالبان ما زال قائما حتى الآن. فالصبايا والنساء ما زلن يعانين من الظلم والتمييز الرهيب في أفغانستان. على العالم الاسلامي أن يحتج على ذلك.

كان العالم الاسلامي صامتا بطريقة مخجلة، عندما مدت طالبان سطوتها القاسية على سكان أفغانستان. وعلى الرغم من أن الصبية والرجال تحملوا بعض عبء تلك الوحشية، فإن الثقل الأكبر منها وقع على الفتيات والنساء اللواتي عانين الكثير.

لقد نسي البعض ما قام به رجال طالبان من سجن للصبايا والنساء في أفغانستان، عن طريق إجبارهن على البقاء داخل البيوت. فالبنات لم يستطعن الذهاب إلى المدارس والنساء لم يستطعن العمل.

لم تكن طالبان الوحيدة في أفغانستان التي انتهكت ولفترة طويلة حقوق البنات والنساء. فالتحالف الشمالي أيضا، تجاهل حقوقهن. والآن، أصبح المقاتلون السابقون وسادة الحروب، الذين ظلوا يقاتلون بعضهم البعض في أفغانستان في موقع المسيطر على أجزاء كبيرة من ذلك البلد. وهم أيضا مذنبون في انتهاك تلك الحقوق.

وحسب التقارير المتعلقة بحقوق الإنسان التي صدرت في الفترة الأخيرة، فإن حكومة حميد كرزاي، فشلت في حماية البنات والنساء من الإساءة المستمرة لهن. ويتوجب على العالم الاسلامي أن يضيف صوته الى صوت أولئك الذين نادوا بحياة أفضل إلى الإناث في أفغانستان.

ثمة اخبار مفرحة تحققت خلال السنتين الأخيرتين منذ سقوط حكم طالبان. إذ حققت البنات والنساء في داخل المدن الكثير من التقدم. فقد تم تسجيل آلاف الفتيات في المدارس والجامعات، والكثير من النساء يقمن الآن بوظائف مهنية، إضافة إلى مشاركة العشرات منهن في الاجتماعات الوطنية السياسية التي عقدت في يونيو وديسمبر الماضيين.

مع ذلك، فإن بقايا طالبان قاموا باحراق عدد من المدارس. وفي المناطق الريفية من أفغانستان ما زالت النساء يعشن في اوضاع مزرية للغاية. فالكثير منهن مقيدات إلى بيوتهن، ويجبرن على الزواج في سن دون الست عشرة سنة بكثير، وهو السن القانوني للزواج في أفغانستان.

خذوا قضية «فريبة» (هذا ليس اسمها الحقيقي)، التي يبلغ عمرها 8 سنوات على سبيل المثال. لقد أجبرت على الزواج من رجل في الثامنة والأربعين من عمره. وتم الكشف عن قضيتها من خلال منظمة العفو الدولية في هيرات، الواقعة في غرب أفغانستان في مايو 2003. وتردد أن والد الصبية قبض مبلغ 600 ألف أفغاني مقابل ابنته (كان سعر الدولار بأفغانستان في أغسطس 2003 يساوي ما بين 40 و50 أفغانيا).

عانت فريبة من الاعتداء الجنسي عليها من قبل زوجها. واثر إبلاغ قريب لها مسؤولين حكوميين بما تعرضت له، تم إخراج فريبة من منزل زوجها ووضعت في دار لرعاية الأيتام. ابلغت منظمة العفو الدولية في ذلك الوقت بهذه القضية، ولم توجه تهم جنائية الى والد فريبة او زوجها، كما ان القاضي الذي نظر في القضية بغرض تحديد وضع الزواج، لم يصدر قرارا بالطلاق.

كتبت كيت آلين، مديرة منظمة العفو الدولية في بريطانيا، في صحيفة الغارديان البريطانية الاسبوع الماضي، أن المنظمة وثقت في الآونة الاخيرة قضية فتاة في السادسة عشرة من عمرها حكم عليها بالسجن عامين ونصف العام، عقابا لها على «جريمة» الهروب من زوجها البالغ من العمر 85 عاما، بعد قسرها على الزواج منه. كما حكم بالسجن ثلاث سنوات على فتاة اخرى عمرها 14 عاما، لهروبها من منزل ذويها فرارا من تزويجها من ابن عمها البالغ من العمر 13 عاما.

ترى، اين هم علماؤنا المتنورون؟ ولماذا لا يدينون هذا النوع من السلوك؟

تضمن تقرير صدر في الآونة الاخيرة، عن منظمة العفو الدولية، حول اوضاع النساء في افغانستان، السطور التالية، التي كتبها احد العاملين في منظمة غير حكومية: «كانت المرأة تتعرض لعقوبة الجلد خلال حقبة طالبان اذا ذهبت الى السوق وأظهرت حتى ولو بوصة واحدة من جسدها، لكنها الآن تغتصب».

تشير تقارير منظمة العفو الدولية، الى ان البنات والنساء يتعرضن للعنف داخل منازل اسرهن وبأيدي افراد الاسرة. كما ان اعمال العنف التي تستهدف النساء عادة ما لا يبلغ عنها، بسبب الضغوط التي تمارسها الاسر المختلفة، ولأن النظام القضائي نفسه يمارس التمييز ضد النساء.

لن تتطور افغانستان في ظل استمرار تجاهل محنة نصف المجتمع. وتجدر الاشارة الى ان النساء الافغانيات احتفلن بالاعتراف بهن، ولأول مرة في تاريخ افغانستان، كمواطنات، في الدستور الجديد الذي صادق عليه مجلس «لويا جيرغا» في يناير الماضي، ونص على منع «أي نوع من التمييز بين مواطني افغانستان رجالا ونساء»، مع تأكيده ايضا، انهم متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات.

هذه الكلمات ستكون مجرد حبر على ورق، طالما استمر تجاهل حقوق النساء والبنات في افغانستان. اذ يجب على النظام القضائي هناك بذل المزيد من الجهد لحماية البنات والنساء. وتقدمت المنظمة بعدد من المقترحات للجانب الافغاني من ضمنها تدريب النساء على تولي مهام القضاء والمحاماة، وتوسيع دوريات حفظ السلام خارج العاصمة كابل، وهي خطوات غاية في الاهمية بغرض خلق البيئة اللازمة لتثبيت مبدأ حكم القانون.

لقد كانت افغانستان في حالة حرب لمدة 25 سنة. والنساء والفتيات هن اول ضحايا عدم الاستقرار. وبدون الأمن، فإن حياتهن ستستمر في التعرض للخطر.

لقد عايش شعب العراق ثلاث حروب في العشرين سنة الماضية. ومن الواضح ان الحرب وعدم الاستقرار والافتقار الى الأمن تؤثر على حياة النساء والفتيات في العراق. لقد اعلنت معارضتي للغزو الاميركي للعراق عدة مرات. وبالرغم من ذلك ذكرت مرارا انه لا يمكننا البقاء اسرى للماضي ومناقشة الحرب الى الابد. وبدلا من ذلك، علينا تأييد شعب العراق في جهوده من اجل الاستقلال وضمان مستقبل مستقر لبلادهم.

وفي مناخ انعدام الأمن في العراق اليوم، فإن العديد من النساء والفتيات يخشين ترك بيوتهن. وقد سجلت جماعات حقوق الانسان عمليات الاختطاف والاختفاء لعشرات من النساء والفتيات في العراق.

ومرة اخرى، فإن النظام القضائي في العراق فشل في مساعدة النساء والفتيات. ان عمليات الاغتصاب والاختطاف كانت تحدث في عهد صدام حسين ايضا، لا يمكننا نسيان ان صدام استخدم العنف الجنسي والاغتصاب كوسيلة سياسية ضد المنشقات.

ومنذ غزو العراق، فإن جماعات حقوق الإنسان والمرأة سجلت زيادة في تلك الجرائم. وفي معظم الحالات فإن قوات الأمن تكون مشغولة في محاولة حماية نفسها من هجمات المتمردين لكي تهتم بمثل هذه الجرائم.

وكما هو الامر في افغانستان، فإن العديد من النساء والفتيات العراقيات لا يبلغن عن جرائم العنف الجنسي خجلا، او بسبب ضغوط اجتماعية. وكما يحدث في افغانستان، فإن الشرطة في العراق لا تهتم بجدية ببلاغات جرائم العنف الجنسي.

انا مديرة تحرير موقع اخباري على الإنترنت هو موقع www.awomensenews.org الذي يغطي قضايا المرأة. وقد بعث مراسلنا في بغداد اشرف خليل بموضوع اجرى فيه مقابلة مع سميرة مصطفى، الأمينة العامة لرابطة المرأة العراقية. وقد اشتكت من ان الشرطة - قبل وبعد سقوط النظام - تعامل العنف السياسي والاختطاف باعتباره قضية ذات اولوية اقل من الجرائم الاخرى، وتقلل من وجودهما. وقالت «ليس من مصلحة الشرطة الافصاح عن العدد الحقيقي من المختطفين، مصلحتهم هي في اخفاء الامر.» قد كتب اشرف ان ذلك يرجع لعدة عوامل من الرغبة في اخفاء مدى ضعف سيطرة الشرطة، بالإضافة الى رفضهم التحقيق في مثل هذه القضايا في البلاد.

ان المرأة العراقية من بين اكثر النساء في العالم العربي تعليما. وقد بدأ صدام حسين في الحد من بعض حقوقهن في نهاية حكمه.

وهناك العديد من الايام الصعبة تواجه العراقيين وهم يحددون كيفية تسلم السلطة بالإضافة الى كيفية نسيان احزان الماضي. ولا يجب ان يفرغوا احباطهم بحرمان النساء والفتيات العراقيات من حقوقهن.

ان المرأة العراقية تستحق ابداء رأيها في نوعية الحكومة، كما تستحق القيام بدور فيها والاهم من ذلك هي تستحق السلامة.

* كاتبة مصرية تعيش في اميركا