إيران: هذا السجل من الحنث بالوعود..!

TT

مهما تعددت الزوايا التي تنظر بها إلى الانتخابات الإيرانية الأخيرة فإنك ترى هذه الهزيمة الساحقة لما يسمى بمعسكر «الإصلاح». هذه الحركة المسماة بالإصلاحية، والناتجة أساسا عن وهم، خدعت نفسها بداية، واعتقدت أنها يمكن أن تخدع كل الناس، كل الوقت. وقد بدأت المسألة كلها بانتخاب خاتمي عام 1997. فقد شاركت جموع الإيرانيين في الانتخابات وصوتت لخاتمي، ليس لأنها كانت تحبه، أو حتى تعرفه، بل لأنها أرادت أن تمنع انتخاب مرشح المؤسسة، الذي كانت تعرفه جيدا. ومع ذلك فإن برنامج خاتمي كان معقولا وواعدا. فقد احتوى على عشرة وعود.

الوعد الأول هو استعادة حكم القانون لبلد ظلت فيه الأجهزة غير الرسمية تمارس سلطات اعتباطية منذ 1979. ومن الواضح أن خاتمي فشل في الوفاء بذلك العهد. ويتحدث مؤيدوه حاليا، ومن ضمنهم أخوه محمد رضا، الذي منع من الترشيح في الانتخابات الأخيرة، عن انقلاب دستوري قام به خصومهم.

الوعد الثاني الذي قدمه خاتمي كان هو «انعاش الاقتصاد الإيراني». وكان سجله هنا أيضا يدل على الفشل. ورغم معدلات النمو التي وصلت إلى أكثر من 4 في المائة في عامي 2002 و2003، فإن معدل النمو السنوي للسنوات السبع الماضية كان 1.5 في المائة، وإذا نظرنا إلى هذه النسبة في إطار معدل الزيادة السكانية السنوية وهو 1.8 في المائة، فإن النمو يصبح سالبا في الواقع. ولم يحقق خاتمي أي تقدم في اتجاه الوفاء بوعده الثالث، وهو إزالة كل إجراءات التمييز ضد النساء. ومن المتوقع أن تتلقى النساء الإيرانيات صفعة قوية في الوجوه عندما تظهر النتائج الكاملة للانتخابات الأخيرة. ومن الممكن تماما ألا يزيد عدد النساء اللائي يدخلن المجلس الجديد عن واحدة أو اثنتين. ويبقى خارج دائرة التنفيذ كذلك وعد خاتمي الرابع الخاص بتطبيع العلاقات مع العالم الخارجي. ولكن خاتمي قدم وعودا أخرى: تخفيف الضغوط على الشباب الإيراني، وهم حوالي 65 في المائة من السكان، وتوفير الوظائف لعشرة ملايين من الرجال والنساء الذين يعانون من البطالة. أم هل استطاع أن يوقف استنزاف العقول الإيرانية حيث تقدر منظمة اليونسكو أنهم يغادرون إيران بمعدل 150 الفا في العام. وتقول دراسة أجرتها الأمم المتحدة مؤخرا أن ظاهرة استنزاف العقول الإيرانية «هي الأكبر في كل التاريخ». يقول من يسمون بالإصلاحيين، انهم اندهشوا لعدم تأييد الشعب لهم في حركة المقاومة الأخيرة التي قاموا بها والتي تمثلت في احتلال مبنى البرلمان في الشهر الماضي. وقد القى الإصلاحيون خطبا حماسية أثناء ذلك الاحتلال، ولكن الشعب كان يتثاءب. ثم قرر «الإصلاحيون» بعد ذلك ان يستقيلوا ولكنهم فعلوا ذلك بعد ان انتهت دورة البرلمان. وبمعنى آخر فإنهم كانوا ينسحبون من العرض بعد أن اسدلت الستارة.

أثناء الفترة «الإصلاحية» حدثت في إيران 2000 حالة إعدام، أي 50 في المائة من كل الإعدامات التي حدثت في كل العالم. واغتيل في الفترة نفسها 50 من المعارضين للنظام من الكتاب والصحافيين والسياسيين وزعماء أديان الأقليات. وأغلقت أكثر من 200 مطبوعة منها 100 صحيفة خلال نفس الفترة. وارتفعت أعداد السجناء إلى أعلى معدلاتها منذ عام 1985. وقتلت أعداد كبيرة من الناس بواسطة أجهزة الأمن أثناء قمعها للمظاهرات والإضرابات وثورات الطلاب وغيرها من وسائل الاحتجاج الجماهيري.

الأمل الأخير الذي راود الإصلاحيين هو المقاطعة الواسعة للانتخابات من قبل الناخبين. ولو حدث ذلك لكانوا قد تمكنوا من إدعاء أنهم انتصروا بصورة غير مباشرة. ولكن ذلك لم يحدث. وتدل الأرقام الرسمية مدعومة بتقارير 300 من المراسلين الأجانب، وبناء على معلومات من مصادرنا الخاصة، أن نسبة التصويت أقل قليلا من 50 في المائة، أي أنها تكاد تكون نفس نسبة الانتخابات الماضية. الفرق الوحيد هو أن 20 في المائة من الذين صوتوا هذه المرة ألقوا ببطاقات انتخابية فارغة أو أتلفوها عامدين. فماذا يعني هذا؟ إنه يعني ببساطة أن بعض الناخبين شاركوا في التصويت ليحرموا «الإصلاحيين» من حجة تدني نسب المشاركة الانتخابية. وفي نفس الوقت، فإن الكثيرين أدلوا ببطاقات فارغة ليقولوا انهم لا يؤيدون النظام نفسه. جملة الذين صوتوا للمرشحين هي إذن 25 في المائة، ومن ضمن هؤلاء صوت أقل من الربع للمرشحين المعتبرين قريبين من «الإصلاحيين». كما صوت ربع آخر لمرشحين لهم قواعد محلية قوية ولا يمكن تصنيفهم ضمن الإصلاحيين أو المحافظين. وعليه فإن القاعدة التي تؤيد المحافظين تتراوح بين 12 و15 في المائة.

استنادا إلى ذلك فإنه ليس من المهم في السياق الإيراني حاليا من كسب أعلى الاصوات، فليس من بين الأجنحة من يمكن أن يحصل على أغلبية، بل المهم هو من يمسك بأركان السلطة. ومن هذه الزاوية ليس هناك ثمة غموض: إن القوة في إيران اليوم في يد من يسميهم خبراء الشؤون الإيرانية في الغرب «المحافظين»، ولكن هذا المعسكر لا يعتبر نفسه محافظا بأية حال من الاحوال. إذا رضينا عن ذلك أم لم نرض، وهذا الكاتب لا يرضى، فإن حركة الخميني ما تزال حركة ثورية. وكما لاحظنا فإن قاعدة مؤيديها قد انكمشت إلى 12 ـ 15 في المائة من الناخبين الإيرانيين. ولكن هذه الحركة، وعلى عكس «الإصلاحيين» المشوشين، لديها ايديولوجية واضحة، أجندة محددة، وطرق معروفة في التعامل مع خصومها. إن مظهرها ينم عن جوهرها، وهذا شيء يبعث على الاطمئنان بالنسبة لكل من يهمهم أمرها.

إن الخمينية الأصيلة، أو «المتصلبة» إذا شئت، ما تزال تنعم ببعض التأييد في إيران. أما الخمينية «الرخوة» فلا سند لها مطلقا.

وطالما لم يستطع الإيرانيون أن يأتوا ببديل للخمينية الأصيلة، فإن هذه الأمة لن تجد لها مخرجا من متاهتها التاريخية الحالية. وبانقشاع الضباب والتشويش حول نتائج انتخابات الاسبوع الماضي فإن صياغة مثل هذا البديل تصبح أكثر سهولة. وربما يثبت التاريخ أن فترة السنوات السبع تحت حكم «الإصلاحيين» كانت مفيدة للشعب الإيراني ولكل أولئك الذين يريدون لإيران الخروج من ازمتها الثورية لتعود إلى حالتها الطبيعية.