الأمريكان عاجزون عن فهم المجتمع الإسلامي

TT

الاستراتيجية الإعلامية الأمريكية، التي رسمت أبعادها العامة بالأمس، ستجر عالم العرب والإسلام إلى نقيض ما تتوخاه واشنطن منها. انها تحاول ان تفرض نمط الحياة الاستهلاكية الأمريكية القائمة على الثروة، على منطقة غارقة بالفقر. يستطيع الشاب الأمريكي المعتاد أن يشتري عشر اسطوانات كل يوم، ويغير حذاءه كل شهر، ويذهب للديسكو كل ليلة، لكن أين ذلك من الشاب العربي المعتاد؟. ما سيحصل هو ان أولاد الموسرين سيشترون ذلك ويذهبون للديسكو، فينظر أولاد الأكثرية لهم بحنق وغضب وحسد. سيعتبرون هذه الحياة فساداً غربياً ويلعنون أمريكا التي جاءت به.

والشباب الأمريكي غير مكبل بالقيود والتقاليد، تستطيع البنت أن تلبس ميني جوب وتكشف عن عورتها. البنت العربية لا تعود من الديسكو بالميني جوب حتى تتلقى من أسرتها علقة موجعة. تنظر إليها بقية الفتيات فتلهب في قلوبهن مشاعر البغض والحرمان واللعنة على من جاء بهذا الفساد.

تبادر بعضهن لتبيع عرضها لتشتري مثل ذلك. حتى ضوضاء موسيقى البوب ستثير العالمين ضد من جاء بها.

نحن نتحمل ضوضاء أم كلثوم وفريد الأطرش لأنها ضوضاؤنا الوطنية ونتذوقها، لكن كم منا يتحمل صوت مادونا الآتي من الجيران؟.

ما زال الخبراء الأمريكان عاجزين عن فهم المجتمع الإسلامي ودور الإيمان والتقاليد فيه، وايضا دور شيبات الكبار واحترامنا لها. يتصور الأمريكان انهم بكسب الصبيان والشبان الزعران سيستطيعون كسب الانتخابات والسيطرة على البلاد، هذا أمل إبليس بالجنة. أولا انهم لن يستطيعوا بهذا المنحى الإعلامي غير كسب أقلية ضئيلة من المجموع. يوجد بالإضافة للعامل الاقتصادي العامل النفسي والثقافي، فليس كل شاب مستعداً أو مؤهلاً لتذوق موسيقى البوب وخلاعة وترهات البرامج التلفزيونية. سيبقى هناك من يفضل التراث ومن يتعلق بمستويات أعلى، بما في ذلك الموسيقى الغربية الكلاسيكية. وكل ذلك طبعاً، بالإضافة لمن يحرص على سماع تلاوات القرآن الكريم والمدائح النبوية وكل ما يتصل بالدين والشرع. وفي الأخير ستجد أمريكا أن من كسبتهم محطاتها الجديدة لم يتجاوزوا أقلية ضئيلة جدا لا تُعنى بالسياسة ولا تعبأ حتى بالتصويت ولا يعنيها إن غربت الشمس أو أشرقت. وفي آخر الأمر، سيصوت هؤلاء لا حسب ما سمعوه من اغاني سوا وبرامج الحرة، إنما حسب ما يسمعونه من الشيخ في الجامع أو أصحاب الحل والعقد من زعماء وقادة وشيوخ الديرة. هؤلاء هم الذين يتعين على واشنطن السعي لكسبهم. ارجو ان تعي ما اقول في ضوء تجربتها الاخيرة وكيف وجدت ان مآل الأمور في الأخير توقف على ما يقوله السيستاني في العراق.

هذه الشريحة الشبابية التي تستهدف أمريكا تكوينها على صورتها وتنميتها، ستكون أكبر خطر على المصالح الأمريكية. فهذه شريحة لا تفكر ولا تعنيها السياسة أو الوطن. ما يراودها من الأحلام هو الهجرة لأمريكا، وإن لم يكن فلأوروبا. لن يكون لها أي دور في الحياة العامة. وفي مقابلها، وكرد فعل لها ولفسادها وبذخها وتبرجها وتفرنجها، ستظهر شريحة اخرى اكبر منها عدداً وأقوى منها تفكيراً وعلماً. سيكون بين فيالقها من يرفع راية الإسلام عاليا وآخرون يسعون للذود عن تراث الوطن وأصالته وقوميته وسيادته. فريق ثالث سينصرفون للإصلاح وتحقيق العدالة وتقليص البون بين الفقير والغني. هذه هي الشريحة التي تمسك بزمام الأمور وتسيطر على الشارع. وسيزداد كره هذه الشريحة لأمريكا وكل ما يرتبط بها بصورة تتوازى مع نجاح أمريكا في استراتيجيتها الإعلامية القائمة على التهميش والتجهيل. وإليكم الدليل على ما أقول يوم غد.