تعامل الغرب مع إيران .. «المحافظة» أسهل

TT

قد يكون الوضع في العراق، ومن ثم التقارير التي تقول ان اسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة يتنقل على الحدود الافغانية ـ الباكستانية، من اكبر ما ساهم في فوز المحافظين في ايران. يضاف الى ذلك ان الانتخابات الايرانية جرت في وقت تستعد فيه الولايات المحدة لاجراء تبديل واسع في قواتها المنتشرة في العراق واستبدالها بفرق جديدة وحاجة واشنطن لنوع من الهدوء، وليس بالضرورة الحلول، في الدول التي وصفها الرئيس الاميركي جورج دبليو بوش بـ«محور الشر».

قبل يوم واحد من الانتخابات الايرانية، قال محمد رضا باهونار، واحد من ثلاثة رجال دين سياسيين والمتوقع ان يتنافس على رئاسة مجلس الشورى مع غلام علي حداد عادل، الاستاذ في جامعة طهران وزوج صغرى بنات مرشد الثورة آية الله علي خامنئي، قال قبل يوم واحد من اجراء الانتخابات إن ايران مهتمة باللقاء مع اعضاء من الكونغرس الاميركي بعد ظهور النتائج، واوضح ان العلاقات مع واشنطن ليست فقط «ابيض واسود»، مشيرا الى ان المجلس الجديد على استعداد لاجراء حوار طالما ان «اي طرف لن يفرض وجهة نظره على الطرف الآخر».

وفي الرابع والعشرين من الشهر الماضي، وبعدما اطمأن المحافظون الى انهم حققوا انتصارا كاسحا في الانتخابات، قال رئيس مصلحة تشخيص النظام، الرجل القوي في ايران هاشمي رفسنجاني، انه ايد «فكرة» الحوار مع الولايات المتحدة، غير ان خامنئي عارضها واضاف: «بالنسبة لي، إن الحوار ليس مشكلة إذا كنت من سيقرره، لكن لأن مؤسس الجمهورية الاسلامية آية الله الخميني وخليفته ضد الفكرة، فانني اتبعهما ولا اقول شيئا (...)». المحللون السياسيون في ايران يشيرون الى ان المجلس الجديد سوف يسيطر عليه نواب غير سياسيين، موحدين تحت مظلة البراغماتي المحنك رفسنجاني.

من المعروف ان محادثات «جس نبض» تجري بين الطرفين منذ حوالي السنة، وعُقدت اجتماعات في جنيف ونيويورك. وحسب مصدر ايراني مطلع فان ابرز الشخصيات الايرانية المخولة بمواصلة الحوار هو السفير الايراني لدى الامم المتحدة محمد جواد ظريف، خريج العلوم السياسية من احدى الجامعات الاميركية والذي يرتبط بعلاقات مع كل الاطراف داخل ايران. ومؤخرا سمح لظريف بزيارة واشنطن حيث وجه دعوة لبعض المسؤولين في الكونغرس لزيارة طهران، غير ان ايران طلبت تأجيلها.

وكانت الولايات المتحدة، بعد زلزال بام، عرضت ان يزور وفد اميركي (بمهمة انسانية) ايران برئاسة السناتور إليزابيث دول (الرئيسة السابقة لمنظمة الصليب الاحمر). وحسب محدثي، فان الوفد كان سيضم عضوا بارزا من عائلة الرئيس الاميركي، الا ان طهران اعترضت «لأن التوقيت غير مناسب»!

لقد كانت الاستعدادات للانتخابات النيابية حامية، ورغم ان المحافظين كانوا يحذرون من ان اي علاقات حسنة مع واشنطن تشكل تهديدا مباشرا لهم، الا انهم كانوا يشعرون ايضا بأن المعتدلين يمثلون عنصرا غير مستقر، ويمكن ان يؤثر على تطبيع العلاقات مع واشنطن، لانهم قد يشكلون حافزا للولايات المتحدة لتمارس نفوذا على سياسة ايران الداخلية، كما كانت تفعل في الماضي. ويلفت مصدر اميركي الى ان الاتصالات بين واشنطن وطهران مستمرة منذ سنة تقريبا حول العراق، وانها كانت محدودة لكنها مع الايام ستظهر الى العلن، ونتائج الانتخابات المحسومة ستسمح لرجال الدين الحاكمين في ايران بتحريك مستوى وتوجه العلاقة بين الدولتين. ويضيف، انه في الطرف الآخر من المعادلة لوحظ تصرف غير متوقع من قبل واشنطن يوحي بانها تتطلع الى نوع من «الوفاق المعلق» مع طهران، فقد تغيرت لهجتها بالنسبة الى برنامج ايران النووي الذي كان يعتبر العقبة الرئيسية تجاه اي تقارب. ويفند محدثي تسلسل الاحداث، فيقول ان ردة الفعل الاميركية تجاه تقرير الوكالة الدولية للطاقة النووية الذي صدر في الثامن عشر من الشهر الماضي والذي اكد اكتشافه لقدرة ايران على تصنيع اليورانيوم المخصب لتصنيع القنبلة النووية كان: ان واشنطن «مهتمة جدا» بهذه المسألة، وقال الناطق باسم البيت الابيض سكوت ماكليلن: «لقد قلنا دائما ان ايران تقوي برنامجها النووي تحت ادعاء انه لاغراض مدنية». وهذا الموقف يختلف عن المواقف العدائية والمليئة بالتهديد التي اتخذتها واشنطن تجاه نشاطات دول «محور الشر» النووية، ويتساءل محدثي قائلا: «لو ان واشنطن مهتمة بتصعيد التوتر مع ايران لاتخذت من تقرير الوكالة الدولية للطاقة النووية سببا لدعوة مجلس الامن لمعاقبة ايران».

وما يشير الى تغير في الموقف الاميركي تجاه ايران، هو انه بعد سنوات من معارضتها لاي صفقة ما بين اليابان وايران، سمحت للدولتين بتوقيع عقد بقيمة ملياري دولار، تستثمر من خلاله طوكيو حقول نفط اذاديغان في جنوب غرب ايران. لقد اعترضت واشنطن شفهيا على توقيع الاتفاق غير ان اليابان اوضحت انها وقعت العقد بعدما لمست المرونة في موقف واشنطن تجاه طهران. اما ايران، وبعدما كشفت ليبيا عن اتصالاتها ومشترياتها النووية، فقد اعترفت بشرائها التكنولوجيا والمعدات النووية من السوق السوداء، ووجهت وزارة الطاقة الايرانية الدعوة لشركات نفط اميركية لطرح مناقصات للفوز بعقود تطوير وانتاج النفط الايراني. لكن، يقول محدثي الاميركي، ان واشنطن ستبقى حذرة ولن تسرع في اظهار المودة تجاه ايران، ورغم تأكيده بان العلاقات بين البلدين ستتطور ايجابيا، الا ان واشنطن لن تبدي انفتاحا ملحوظا او ترغب علنا في فك عزلة ايران الا بعد الانتهاء من الانتخابات الرئاسية الاميركية في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، وبدورهم سينتظر المحافظون ليستعيدوا سيطرتهم الكاملة على كل مؤسسات السلطة في ايران، حتى ينتهوا من اجراء الانتخابات الرئاسية في ايار (مايو) من عام 2005، «هذا اذا ظل المحافظون يسيرون على نفس السياسة، اي التحكم بمقاليد الحكم تاركين نوعا من الحرية الاجتماعية للشباب، اما اذا قرر الحرس الثوري وميليشيات الباسدران قمع حركة الشباب، فان الصراع السلمي الذي كان يقوده الرئيس محمد خاتمي سيتحول الى صراع دموي».

يعترف الديبلوماسيون الغربيون ان دعم الديمقراطية ليس من اولوياتهم في ايران. ومنذ انتهاء حرب العراق صار التوجه نحو التعامل مع اصحاب السلطة الحقيقيين في الدول. ولم تعترض حتى اوروبا على فوز المحافظين في ايران، فهي لم تر الامر بالسوء الذي فجعنا به، لان التعامل مع ايران صار اسهل بنظرها خصوصا لمحاربة القاعدة ومواجهة البرامج النووية.

ان هذا ينطبق على واشنطن ايضا، فرغم الضربة التي تلقتها العملية الديمقراطية في ايران، الا ان ما جرى كان ضروريا لتحقيق هدف استراتيجي، وهو التعاون في العراق، فواشنطن تحتاج الى التأثير الايراني للحفاظ على الاستقرار والهدوء لدى الاغلبية الشيعية في العراق، خصوصا مع قرب عملية تبديل القوات الاميركية هناك، وحسب المصدر الاميركي، فان التطورات الاخيرة في العراق، من موافقة آية الله علي السيستاني على تأجيل الانتخابات، واتفاق اعضاء مجلس الحكم العراقي على دستور يكون الاسلام فيه احد مصادر التشريع، اي لن تكون هناك دولة اسلامية، كلها تؤكد ان اساس التغيير في الموقف الاميركي تجاه ايران هو العراق، ويضيف، ان واشنطن لن تتخوف الآن من حكومة يسيطر عليها الشيعة، فهي تراهن على انها بمساعدة ايران ضمنت مصالحها في العراق مما سيجعل تحركها في دول اخرى ممكنا!

اما التحرك الذي تركز عليه واشنطن فهو بنظر محدثي باكستان التي تبقى المكان الذي يختبئ فيه بن لادن وقوات الطالبان. والمعروف ان القوات الاميركية والباكستانية شنت عدة عمليات متزامنة، انما منفصلة، على طول الحدود مع افغانستان مؤخرا. المشكلة هي انه اذا اظهر الرئيس الباكستاني برويز مشرف الكثير من التعاون فانه يغامر بالاطاحة بنظامه على يد قوى اسلامية متطرفة داخل بلاده قد يساعدها جهاز الاستخبارات الباكستاني الذي ترتبط عناصر اساسية فيه بالقاعدة والطالبان، ويبدو ان واشنطن لن تقبل الا بتعاون مطلق من قبل مشرف.

الخطورة، كما يقول محدثي، انه اذا ضعف مركز مشرف في باكستان، فان واشنطن اعدت استراتيجية جديدة للتعامل مع اي انهيار باكستاني داخلي، وتفضي هذه الاستراتيجية بالاعتماد على القوات الهندية بدل القوات الاميركية. ويشير الى استمرار التمارين العسكرية مع الهند.

وكانت معلومات ترددت عن وجود قوات اميركية في شرق افغانستان وحتى في منطقة كشمير التي تسيطر عليها باكستان، ورغم ان محدثي لم يؤكدها، الا ان مجرد تناقلها يشير الى تنامي العلاقة الاميركية مع الهند، مما يعني يعزز امكانية اللجوء الى التدخل الهندي اذا عمت الفوضى باكستان!

بعد اعتقال الرئيس العراقي السابق صدام حسين، تضاعف ادارة الرئيس بوش جهودها لالقاء القبض على بن لادن ـ الذي يُعتقد انه في مقاطعة الحدود الشمالية الغربية في باكستان ـ قبل موعد الانتخابات الرئاسية الاميركية. واذا نجحت القوات الاميركية والباكستانية في تحقيق هذا الهدف فان الطرفين يرتاحان. اما اذا تدهور الوضع، فيمكن ان يؤدي الى الاطاحة بمشرف. ويقول محدثي: قد تكون واشنطن تلوّح بالتدخل الهندي لاقناع مشرف بعدم التردد في التعاون، وهذا يعيدنا من جديد الى اهمية «الوفاق المعلق» ما بين الولايات المتحدة وايران، «وحتى لو اختلفت اهداف الدولتين، فان المصلحة الخاصة بكل منهما تجمعهما»، ولهذا السبب لم تأسف اميركا على هزيمة خاتمي.

يبقى السؤال في النهاية من يضمن ان تسير كل هذه السيناريوهات، بهذه السلاسة الغريبة؟