ظلم القلم

TT

لا يسري الظلم فقط على الحكم، يسري كذلك على القلم وعلى الفهم. لا أدري لماذا اتعرض مرارا لسوء تفسير ما اكتب. والظالم هنا اخونا الصحافي المغربي اسماعيل العلوي. بعد ان يعرب عن امتنانه لما كتبت في سلسلة صخرة سيسفوس، يقاصصني على مقارنتي بين صدام حسين وارييل شارون. يتهمني في رسالته بأني قلت ان شارون لا يجرؤ على الاستهتار بالقوانين واتفاقيات جنيف.

يا سيدي العلوي لماذا تتقصد اساءة تقديم ما قلت. وهذا نصه:

«بعيدا عن عواطف العزة والكرامة القومية، سيكون شارون أرحم بالشعب العراقي، بالعامل والفلاح والضعفاء، من صدام حسين. فشارون لا يجرؤ على الاستهتار بالقوانين واتفاقيات جنيف والرأي العام العالمي، وارواح الناس وسلامة الأدباء والمفكرين بالشكل الذي استهتر به صدام حسين».

أنا لم اقل ان شارون لم يستهتر بكل ذلك ولكن استهتاره لا يقارن بالشكل الذي استهتر به صدام. تسألني كيف? شارون لم يقطع ألسنة أو آذان أو أنوف الناس، وهو ما فعله صدام. وشارون لم يسن قانونا يقضي باعدام أي شخص ينتقده. وفي فلسطين لم يكتشف احد مقابر جماعية. وشارون لم يستعمل الغازات السامة ضد الفلسطينيين كما استعملها صدام في حلبجة.

العزة والكرامة والسيادة الوطنية ترف وزخرف يعنى بهما الشبعان. ما يهم الجوعان لقمة العيش. أنا في طنجة لاحظت ان المتسولين امام الفندق لا يسألون السائح عن جنسيته أو ديانته عندما يتصدق عليهم بدرهم. العيب ليس في ان نرى جنديا اجنبيا ينظم حركة المرور في الشارع، العيب ان نرى الشارع مليئا بالشحاذين.

في ميدان آخر، كتب لي الاستاذ شكري صالح زكي يعلق على ما ذكرته بخصوص اللغة والكلمات فقال: «اللغة هي الركن الأول في اية حضارة تتأثر بغيرها من اللغات وتؤثر فيها. ولا يضير اللغتين التركية والايرانية ان تحتويا على مفردات عربية. واللغة العربية الدارجة تحتوي على مئات الكلمات التركية والايرانية». يروي فيقول انه اثناء سفره الى طهران شاهد محطة بنزين وفيها لائحة تقول دخانيات بتاتا ممنوع اسف ، توحي هذه الجملة ان 80 % من الفارسية عربي، رغم ان الباحثين يقولون ان هذه النسبة محصورة في 35 %.

يقول الكاتب ان الشاه رضا بهلوي اظهر حكمة في عدم محاولة تطهير لغتهم من الكلمات العربية، على عكس اتاتورك الذي سعى الى ذلك في اللغة التركية فأسس لجنة لتطهيرها من الكلمات العربية باسم «جمعيت لغت تعديله سي».

وقد وصلتني رسالة ظريفة من الكاتبة السعودية وجيهة الحويدر تقول: إن جنديا عراقيا التقى بجندي امريكي وآخر انجليزي، جلسوا يشربون شيئا، وعندما انتهى الامريكي من شربه رمى بالقدح عاليا في الهواء واخرج مسدسه واطلقه عليه فهشمه، وقال: «نحن في امريكا نجد اقداحا في كل مكان فلا نستعمل القدح اكثر من مرة واحدة»، ثم انتهى الجندي الانجليزي من شربه وفعل مثل ذلك، وقال: «نحن في بريطانيا نصنع عشرة آلاف قدح في الدقيقة، فلا حاجة بنا لاستعمال نفس القدح اكثر من مرة»، ثم جاء دور الجندي العراقي. انتهى من الشرب فأخرج مسدسه وقال لزميليه الامريكي والانجليزي: «نحن في العراق البلد مليان انجليز وامريكان، فلا حاجة لأن أرى نفس الوجه اكثر من مرة» واطلق الرصاص عليهما.