ستندمون

TT

بداية الحرب اللبنانية استضافني التلفزيون الكندي في برنامج صباحي رئيسي. وكنت لا ازال غير مصدق انها الحرب. او لا ازال ارفض ان اصدق انها الحرب. ولذلك رحت اجيب على الاسئلة بتعابير رومانسية، فيما صاحب البرنامج يريد تحليلاً وحقائق يقدمها لسامعيه. وكررت النفي على الطريقة الرسمية: لا، ليس، لم، لن، ابدا، قطعا. وشعر الرجل بالملل، فقال لي: "اذن من هم اولئك الذين نراهم يتقاتلون كل يوم"؟ فقذفته بجواب قاطع: "انهم ليسوا ما يفعلون"، فشكرني، واختصر اللقاء

استمرت الحرب بعد ذلك نحو 17 عاماً. وقتلت الناس على هوياتها، من غير اي ذنب آخر. وسجن شقيقي في احد الاقبية لأنه كان "يهرب" بعض اصدقائه من الطائفة الاخرى الى الخلاص والبقاء. وروى لي الاستاذ غسان تويني ان بعض "الشباب" وضعوا السنة المخطوفين واذانهم في مراطبين الكبيس مثل المخللات. لكننا ظللنا نقول "انهم ليسوا ما يفعلون". لقد اعلن الشيخ المجاهد اسامة بن لادن في بيان رسمي، الحقه الطبيب المجاهد انور الظواهري ببيان اكثر بلاغة، الحقه الناطق المجاهد ابو غيث ببيان اكثر نداوة، المسؤولية عن 11 سبتمر. ومع ذلك نرفض ان نصدق ان "القاعدة" هي التي ارسلت كوكبة الشبان لكي يفجروا في وجه الامة حرباً لا نعرف كم تدوم ولا الى اين ستؤدي. وبدل ذلك سررنا بكتاب لنصَّاب فرنسي حصد ثروة من خلف ظهورنا، لأنه لا يزال يطالب ببقايا الطائرة التي سقطت ذلك النهار على البنتاغون، وهو الآن يعد كتاباً آخر من نفس البضاعة. والناشر يسن اسنانه لعدد مماثل من الطبعات. والموزع يعد طبول الفرح: رزق النصابين على ذوي النوايا الحسنة

اول ردة فعل على كارثة كربلاء وبغداد يوم الاثنين، كانت ان "الاجانب" خلف الجريمتين. وسمعت محللاً عراقياً في البي. بي. سي العربية يقول في صدق انه لا يمكن لعراقي ان يقوم بمثل هذا العمل. ولا بدَّ من البحث عن الدانماركيين الذين ما برحوا يقومون بهذه الاعمال في العراق. والبعض يؤكد ان رجلاً من ايسلندا هو الذي فجَّر الباحة في النجف بآية الله محمد باقر الحكيم لانه قد قد صرح بأنه لا يسعى الى جمهورية اسلامية في العراق، ويقول بعض آخر ان الذين انهالوا قبل ذلك علي السيد عبدالمجيد الخوئي بالسكاكين في صحن المسجد، متسللون قدموا من غرينلاند

بالتأكيد "ليسوا ما يفعلون". ولكن هناك من يقوم، ايضاً بالتأكيد، بهذه المذابح الجماعية، من لبنان الى الجزائر الى العراق. لقد قضى مئات الالوف من البشر ونحن نقول ان لا علاقة لنا بالامر. ولو تجرأ التلفزيون الكندي واستضافني مرة اخرى، لاعتذرت عن تلك الجملة الغبية التي اطلقتها ذلك الصباح "انهم ليسوا ما يفعلون". لقد قلتها وانا اظن انني قلت قولاً عبقرياً اغطي به مشاهد الحرب اليومية وتبادل الرصاص واقامة الحواجز وزرع الخنادق والمشاركة الكبرى في مؤامرة صغيرة لتدمير لبنان وتفكيكه، والغائه عن الخريطة. وقد قاتل البعض طبعاً عن صدق. ولم يدرك البعض الآخر انه حجر تافه في لعبة شطرنج دموية. ولكن في النهاية الجميع ارتكبوا. والجميع نفذوا المؤامرة في غباء او في خبث وشهوة الدم. وافضل وسيلة لأن نرفع المؤامرة عن العراق هي في التوقف عن خدمتها او التوغل فيها بغباء او بدهاء، او بوحشية. فالنتيجة واحدة في نهاية المطاف. وفي بداية الحرب اللبنانية كتب نزار قباني "سوف تقتلونه وتندمون". وغضب الجميع لأنهم لم يدركوا انهم يرتكبون عملية قتل. وافاقوا بعد حين وقد ندموا بعد فوات الاوان وقوافل الارواح. ولو كان حياً لوضع العنوان نفسه لمقال عن العراق