المرأة العربية في المخيال الغربي: صورتها لا تعكس شيئا من جمالها

TT

هناك أشخاص يبدون في الصور الفوتوغرافية أجمل بكثير من الواقع. وهناك من عندما تشاهدهم مباشرة، تشعر أنهم أجمل من صورهم بألف مرة.ورغم عدم أهمية هذه المسالة، إلا أنها حولت وجهة العديد من الوجوه إلى السينما والتلفزيونات، وصاروا نجوما، فقط لأنهم «فوتوجينيك» أو «تيليجينيك». وبالتالي فإن غير المهم يصبح مهما، لا سيما أننا في عصر الصورة، ومن لا ترضي عنه الآلة الفوتوغرافية أو الكاميرا التلفزيونية أو السينمائية، قد يصبح نسيا منسيا!

وبالنسبة إلى المخيال العربي، فإن صورة الإنسان الغربي المعلقة داخله كما اللوحة تبدو شديدة الجمال والفتنة، تشع حضارة وحرية وسموا وتفوقا وتقدما. في حين أن صورتنا نحن في المخيال الغربي ممزقة الزوايا، داكنة اللون، وباهتة الملامح. وفي الحالتين، فإن كلا من المخيالين يحمل آلة تصوير، إما تشوه الحقائـق، أو تطنب في الزينة والتجميل، وبالتالي فالصورتان تفتقدان إلى أمانة الحقيقة، وصدق الواقع.

ويبدو أن المرأة العربية ذات الشعر الفاحم والقوام المكتنز، ما تزال تعيش فجيعة صورتها التي لا تعكس شيئا من جمالها. ما زالت تعيش غربة أمام صورة معششة في المخيال الغربي، الذي يرفض أن يضع مكانها صورة أخرى أقرب إلى الحقيقة، وأكثر دنوا من الواقع.

فلماذا يصر الآخر على التقاط صورة واحدة للمرأة العربية والمسلمة؟ لماذا كلما استدعى حدث آني صورة جديدة للمرأة العربية استخرج الآخر لنا من أرشيفه القديم صورة من القرون الوسطى والعهود الغابرة؟ لماذا رفض كل الصور العديدة للمرأة في العالم العربي والاسلامي، والاصرار على فرز صورة المرأة كما تريدها جماعة طالبان، مع تعميمها كصورة تختزل كل الصور الأخرى في سوادها المطنب؟

تستقبل البلدان العربية والمسلمة في شتى فصولها الأربعة، أفواجا ضخمة من السياح الفرنسيين والألمانيين والإيطاليين وبلدان أوروبية أخرى كثيرة. وكل هؤلاء احتكوا ـ بالضرورة ـ بمجتمعات البلدان التي دخلوها سياحا، طالبين الراحة والاستمتاع والاطلاع. ولا شك أن هؤلاء قد رأوا بأم أعينهم النساء العربيات والمسلمات وهن متوجهات إلى المعاهد والكليات. وأكيد أن عشرات منهم، قد اتصلوا بطبيبات وتعرفوا على بعض الأسر العربية، وتفحصوا عن قرب وضع المرأة في المجتمع.

إلا أن كل هذه المعرفة التي تغدقها السياحة على السياح الأجانب، لا نجد لها أثرا يذكر عندما نشاهد حوارات تلفزيونية في الشاشات الأوروبية، أو عندما نتصفح جرائدهم. حين يتعلق الأمر بصورة المرأة في العالم العربي والاسلامي يحصل تناقض صارخ بين صورتها في وسائل الإعلام العربية، وصورتها في مخيال المجتمعات الغربية. ومثل هذا التناقض يقودنا إلى مناطق خطيرة قصد تفكيكه، والإمساك بمفاصله.

إن العالم اليوم مقسم بين متقدم ومتخلف، وبين متحضر وفي الطريق إلى النمو. ولأنه لا معنى كبيرا للتفسير الاقتصادي في نظرية تقسيم العالم، فإن الالتجاء إلى التفسير الثقافي والاجتماعي، سيعزز واقع التقسيم ويبرره، بل ويصبح آلية من آليات الهجوم كلما استدعت مصالح العالم المتقدم ذلك.

فضرب المجتمعات يتحقق على نحو مجد، كلما امتلك الضارب مفتاح السر، وتعرف على الثغرة التي تؤمن عملية التسلل الناجحة. لذلك، دائما يقترن الحديث عن تخلف العالم العربي والإسلامي بالحديث عن معاناة المرأة والاضطهاد الذي تعيشه، وظلم الرجل، شهريار وجوره الكبير، الذي يعامل المرأة كجارية، وهي أيضا شهرزاد المهددة بالموت في كل ليلة!

ويبدو أن استمرار هذه الصورة وتواصلها، شرط يخشى الآخر افتقاده، وأي تحوير في هذه الصورة يعكس تهديدا، لا بد من محاربته قبل التشكل والتكون.

وببقاء هذه الصورة، يصبح عمر طروحات التخلف الثقافي والاجتماعي طويلا جدا، حتى وإن تعلق الأمر بمغالطات معرفية أو صور مركبة.

إن وصف العالم الغربي بعدم مواكبة التطورات التي تعيشها المرأة العربية، فيه تبرير لأمر يختلف شكلا وجوهرا عن حقيقته. ذلك أن تلك الدول التي تعرف عدد أنفاسنا ودقات قلوبنا وكم من رصاصة في مخازن ثكناتنا، وكم من دماغ خطير في جامعاتنا، من غير المعقول أن لا تعلم بأن المرأة في عالمنا قطعت أشواطا طويلة منذ الخمسينات وإلى اليوم، بل أنهم يدركون جيدا مساهمة تلك المرأة في حركات التحرير الوطني ولا يفوتهم أن المرأة موجودة في مناصب القرار وفي مختلف المجالات الحساسة.

فهل أن الغرب الذي استعمر مجتمعاتنا لعقود طويلة، لا يعرف إنجازات المرأة المصرية واللبنانية والتونسية والمغربية والجزائرية والسورية؟ إنهم يدركون كافة التفاصيل ويعلمون أن اللجنة المركزية للحزب الحاكم في تونس مثلا، تشكل المرأة فيها نسبة 25% ويدركون حق الإدراك، أن المرأة المسلمة وصلت إلى أعلى مراتب مناصب الدولة في باكستان وبنغلادش. لذلك، فإن الأقرب إلى القول الصحيح، هو أن هناك كتماً لأنفاس الصورة الحقيقية للمرأة العربية والمسلمة.

إن الإصرار على صورة المرأة المضطهدة، يخفي وراءه إصرارا على ضرب المجتمعات العربية في صميمها، كي تبقى دائما في حاجة إلى اليد العليا، وكي تظل صورة البلدان المتخلفة عن ركب الحضارة، حية ترزق تأكل وتشرب وتنمو في ظل الإعلام الغربي. فإنكار تطور حال المرأة العربية يمثل حتمية من حتميات تواصل تقسم العالم إلى متقدم ومتخلف. وبلا شك فإن المراد هو ديمومة الأفكار المسبقة، إضافة إلى تسويق القرارات الدولية، وفتح الباب واسعا لأعراف جديدة في علاقات الدول المتقدمة بالدول المتخلفة، بدون أن ننسى طبعا أن التركيز على الصورة المظلمة للمرأة يتضمن إصابة نفسية مهمة للرأي العام العالمي، الذي لن يقبل التعاطف مع مجتمعات، المرأة فيها مقموعة، والرجل يتزوج بأربع نساء!

إلا أن هذا التعاطي مع الرأي العام العالمي، يخضع إلى اعتبارات ماضوية وإلى أفكار مسبقة تجاوزها الزمن وأكل عليها الدهر وشرب. فقد فات الإعلام الغربي الذي تحركه أقلام قضيتها الأولى والأخيرة الإطاحة الدائمة بالعالم العربي والإسلامي، أن التخلف الاقتصادي، وازدياد نسبة البطالة والانتكاسة النفسية العربية، كل ذلك قد فعل فعله الإيجابي وجعل القادر على الزواج لمرة واحدة محظوظا ومرضيا عليه.

طبعا قد يفهم من هذا الموقف أن المرأة العربية والمسلمة تعيش حياة وردية وتنعم بكافة النعم الممكنة والمستحلية، ولكن ذلك قدر كل مدافع ضد صورة متطرفة. فالتطرف يقود إلى التطرف. ومن الأمانة الإشارة إلى أنه لا مجال للتغاضي عن مشاكل عديدة تتخبط فيها المرأة اليوم في العالم العربي والإسلامي، علما بأن معالجة مشاكل أي مجتمع اليوم، من الصعب أن تستند إلى التفرقة الجنسية، بل أن التعاطي يحصل مع المجتمع ككل، وذلك لأن الواقع الجدلي خلف بدوره حلقات من التأثير والتأثر في صلب المجتمع، علما بأن المرأة العربية، رغم التطورات التي شهدتها، فإنها تطورات لامست الشكل والظاهر أكثر من العمق والباطن. فالقوانين والقرارات، وإن أحدثت ثورة في بعض البلدان، كمنع تعدد الزوجات في تونس منذ أوت 1956، فإن الصيرورة التاريخية قد أثبتت أن تغيير العقليات، يحتاج إلى تربية طويلة وتدرب ثقافي ونفسي، يعيد تشكيل الوعي والتمثلات الثقافية المتوارثة من الجذور، لأن هذا الأسلوب وحده القادر على إسعاد المرأة بقوة الوعي الجديد، وليس بقوة القوانين التي لا تفعل شيئا داخل الجدران الأربعة.

نقول هذا الكلام كي لا نخفي حقيقة معاناة المرأة في عدة أقطار عربية وإسلامية، حيث ما زالت جرائم الشرف وغيرها من المعضلات الخطيرة والمخجلة سارية المفعول. إلا أنه في مقابل بعض المآسي، هناك ما يثلج الصدر ويكشف أن خطوات العلمنة قد أفرزت انتصارات من الصعب إهدارها كما تفعل بعض الحركات النسوية الراديكالية التي ما زالت مع الأسف غير قادرة في أغلبها على نحت خطاب طبيعي وغير متطرف ومنصت لأعماق كل من «هو» و«هي». وإذا ما أردنا إلتقاط صورة للمرأة العربية والمسلمة اليوم، فإن الفوتوغرافي الحقيقي لن يرضى بصورة واحدة وسيصر على ألبوم، يرتب فيه صورا مختلفة يمتزج فيها الأبيض بالأسود طبقا لما هو كائن وموجود.

وعلاوة على سعي الآخر المؤدلج، للإبقاء على الصورة السوداء للمرأة العربية والمسلمة فإننا نشير كذلك إلى الدور المساعد الذي لعبته بعض النخب المهاجرة والمنتشرة في مناطق التأثير في العالم الغربي. فكثيرا من الكتاب الفرنكفونيين، من أجل نشر مؤلفاتهم في أكبر دور نشر فرنسا وألمانيا، قد تورطوا في اللعبة، وسقطوا في الفخ، وسلكوا طريق الأفكار المسبقة رغم أنهم أكثر الأفراد علما بأحابيل اللعبة، وبالأهداف المقصودة. فانساقوا يسوقون صورة فلكلورية، وأطنبت الكاتبات في وصف معاناة ثلاثة أرباعها تتغذى من انتظارات الآخر وتصوراته، وهكذا نجحت دور النشر الغربية في توفير حجج مدونة على الورق وبالحبر عن اضطهاد، تفلسف الكتاب في إظهاره، بدون أن يلعبوا الدور المطلوب منهم والمتمثل في إظهار الصورة الحقيقية وتقديم الوجه الأقرب إلى الملامح الحاصلة.

ولكن يبدو أن إغراء الشهرة، وشروط دور النشر، وخاصة من يقف وراءها، أسالت لعاب كتابنا، فأصبحوا جنودا من الخندق المضاد، يرسلون رصاصات ولا يعلمون أنها تستهدف مجتمعاتهم الأصلية. وفي هذا السياق لا يفوتنا إستثناء بعض الكتاب الفرنكفونيين ومنهم الطاهر بن جلون وعدة أقلام أخرى، ذلك لأن الفرق بين وصف الحقيقة ومعالجتها إبداعيا وبين تلحينها وأسطرتها لتصادف هوى أطراف معينة، شاسع جدا.

ومن جهة أخرى، نلاحظ أن الصورة التي تملأ واجهات الإعلام الغربي باتت اليوم قهرا مضاعفا، لأن المتمعن في وضع المرأة في العالم الغربي، سيصطدم بحقائق لا تمتلك مجتمعاتنا حدتها ولا قسوتها، رغم أن مجتمعات العالم الغربي لديها ما يقيها شر ذلك الواقع ومرارته، على الأقل لأنها مجتمعات متقدمة، ولا يليق بها أن تعاني مشاكل المجتمعات المتخلفة! فمنذ أقل من سنة ونصف سنة تقريبا، خرجت مسيرة ضخمة من النساء في شوارع إسبانيا للتشهير بظاهرة ضرب النساء في أسبانيا وأيضا في أمريكا توجد طائفة تسمى «المورمون» يتزوج رجالها ما يفوق خمس عشرة امرأة. ومؤخرا أطلت علينا قناة «أم 6» الفرنسية بسلسلة طويلة، تدور حول اختيار شاب وسيم لشريكة حياته يسمى «بشلور» ولقد جلب، شهريار فرنسا أكثر من عشر فتيات وفي كل حلقة يخوض «بشلور» مغامرة مع واحدة منهن، كي يختبر مشاعره نحوها. وفي ختام الحلقة يعلمها بأنه لن يقدم لها الوردة لأنه لن يختارها زوجة له! ولقد شاهدنا كيف أنه في كل حلقة كانت تجهش الفتاة المغرمة بالبكاء، وتصاب بالانهيار العاطفي، ثم يتحول شهريار الجديد إلى شهر زاد أخرى. وللعلم فإن هذه السلسلة ليست من نوع الدراما أو البرامج الخيالية، بل هي برنامج واقعي، مائة بالمائة.

وبعيد عن هذا المثال، فإن الإعلام الغربي نفسه يندد بأنواع التحرش الكثيرة التي تمارس ضد المرأة في الغرب، علما بأن قانون التحرش الجنسي الذي تمت مناقشته مؤخرا في تونس، هو كله أو في أغلبه مستلهم من القانون الفرنسي.

أظن أنه قد ان الأوان للغرب أن يراجع استراتيجيته في التعامل مع المجتمعات العربية، وأن يترك المرأة العربية والمسلمة تعبر عن وجهها الحقيقي، دون زيادة أو نقصان، خاصة أن مهرجاناته الثقافية منذ سنوات طويلة، وهي تستقبل الشاعرات والرسامات والسينمائيات العربيات والمسلمات. ومن السخف المعرفي وأيضا الحضاري، أن يغطي الإعلام الغربي الصورة الحقيقية بالضباب. ولعل اليوم العالمي للمرأة يثير في البعض حماسة الصدق مع الحقيقة، فتصبح المرأة العربية «فوتوجينيك»... ولو قليلا!

* كاتبة وشاعرة تونسية [email protected]