خلايا المنشأ بين الأخلاق والمنفعة العلاجية

TT

كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن خلايا المنشأ، وهي الخلايا الاساسية التي تتألف منها الأجنة قبل ان تتخصص حسب اعضاء الجسم المختلفة، ودورها في علاج الأمراض المستعصية التي لم يستطع الطب حتى يومنا هذا التغلب عليها.

وفي الواقع توجد بعض هذه الخلايا متفرقة في الجسم البشري، في النخاع الشوكي، أو في الدماغ مثلا التي يمكن للإنسان الاستفادة منها ايضا في سعيه الدائب لجعل الانسان خاليا من المشاكل التي تنغص حياته.

ووجد الباحثون ان أفضل السبل للإكثار من هذه الخلايا هو استنساخ الاجنة البشرية للحصول عليها قبل ان تنمو وتتحول الى كائن بشري مثلما فعل الكوريون أخيرا، لكن هذا الأمر فجر خلافا اخلاقيا بين دعاة هذه التقنية الجديدة وبين معارضيها، حتى ان بعض المصابين بالأمراض الخطيرة باتوا من المعارضين. ولنسمع أحد هؤلاء يعرض وجهة نظره، وهو مؤلف اميركي يدعى مارك دير، الذي اصيب بمرض الرعاش العصبي (مرض باركنسون) قبل سنتين وهو في سن الثانية والخمسين.

يقول دير انه ما زال صغير السن نسبيا مما يعني ان امامه الوقت الكافي والفرصة المناسبة للاستفادة من أي علاج، أو اختراق علمي جديد، خاصة في الابحاث التي تتعلق بالدماغ، لكنه مع ذلك يعارض استنساخ الأجنة لأسباب أخلاقية وعلمية ايضا.

الأسباب الاخلاقية معروفة وقد ناقشها الكثيرون أما العلمية فما هي؟

يقول دير ايضا، الذي اخترناه كمثال لهؤلاء المعارضين ان العلماء باتوا يضعون كل آمالهم في الاستنساخ لمعالجة أمراض البشرية، بل انهم متفائلون جدا في ان مجهودهم سيثمر قريبا على شكل امكانية انتاج كلى وقلوب ورئات واكباد واعضاء من هذه الخلايا التي لن يرفضها الجسم البشري. ليس هذا فحسب، بل سيمكن ايضا انتاج خلايا عصبية لترقيع الحبل الشوكي المعطوب لعلاج الشلل، وحتى استبدال الخلايا الميتة في الدماغ بأخرى جديدة لعلاج مرض باركنسون والعته الدماغي (الخرف) والنسيان وغيرها، لكن كل ذلك، كما يقول دير، ما زال في مرحلة التكهنات، خاصة ان الطبيعة الانسانية تميل الى تصديق أي شيء يحمل بعض الأمل، سواء كان ذلك سحرا أو علما، واضافة الى كل ذلك هناك المسألة الاخلاقية التي تزيد من الالتباس وعدم اليقين عندما يتعلق الأمر باحتمال استكمال هذا الاستنساخ بصورة ما، حتى شوطه الأخير، وانتاج نسخة بشرية كاملة لا يستفيد الطب منها بشيء. إذاً من الأفضل التخلي عن استنساخ الأجنة والاكتفاء بجمع الخلايا الجذعية من مصادر أخرى فقط، ومحاولة الاستفادة منها لعلها تثمر في يوم من الايام علاجا فعالا.

معارضو هذا القول، وأولهم الكوريون الذين احتلوا صدر صفحات الاخبار في الصحف ونشرات الاخبار التلفزيونية والاذاعية في الاسبوع الماضي، يقولون ان معارضي الاستنساخ، وأولهم مارك دير، يجنون على أنفسهم ويطفئون أي بصيص أمل قد يبدو في الأفق، وقد يظلون فريسة سهلة للأمراض المستعصية من دون أي محاولة جدية لمكافحتها والقضاء عليها كليا، حتى ولو كان ذلك في المستقبل البعيد.

مارك دير وجماعته في المقابل يشككون حتى في قدرة الخلايا الجذعية المأخوذة من الاجنة في علاج المصابين بمرض باركنسون بعدما فشلت الخلايا المأخوذة من مصادر أخرى غير الاجنة في علاج المرض بعد حقنها في دماغ المريض. وخلال التجارب ايضا لم تستطع حتى الخلايا العصبية التي جمعت من مصادر شتى وأدخلت في أدمغة المصابين ان تترك أي تأثير ايجابي.

ويؤكد هؤلاء انه حتى لو اثبت هذا الاسلوب جدواه سيكون اسلوبا مكلفا قد ترفض شركات التأمين الصحي تبنيه واذا ظل هذا الاسلوب وقفا على الميسورين فقط، فإن هذا الأمر يشكل تميزا طبقيا مخالفا للعدالة الاجتماعية والاخلاق.

المهم ان الجدال سيستمر، لكن التجارب العلمية ستستمر ايضا والتي لا بد منها لعلها تحمل بعض الأمل الى المتعبين من ضحايا الامراض المختلفة، المستعدين دوما لأن يتعلقوا لا بحبال الأمل فحسب، بل بالقشة كذلك ان أمكن لكي يبرأوا من عذاباتهم.