بمناسبة بيات قناة.. تخصيص الإعلام هو الحل

TT

تشير حالة البيات النسبي، الذي تعيشة قناة ابو ظبي الفضائية حاليا، الى انها لا تزال تعزف على النجاح والتميز الذي حققتة القناة ابان الحرب على العراق في العام الماضي، الامر الذي يجعلها مهددة بالخروج من السباق الماراثوني الذي دخلت فيه منذ مجيء الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وكيلا ثم وزيرا للاعلام قبل ما يزيد عن سبع سنوات.

وبغض النظر عما تحقق من تطور في هذه المدة فاننا يجب ان نعترف ان الانجاز الاكبر الذي حققتة القناة يكمن في ان الشيخ عبد الله اختار ، عند بدء السباق، الطريق الاصعب للتطوير، فلم يلجأ كما فعلت دول اخرى الى انشاء ما يعتبر اعلاما خارجيا موازيا للاعلام المحلي كما لم يحاول التبرؤ من المسؤولية الادبية والادعاء بأن قناة ابو ظبي قناة مستقلة لا تملك الدولة التي تمولها حق تحديد ما يبث فيها وما يعرض عليها.

ولم يكن هذا الخيار الصعب هو الامر الوحيد الذي عقّد مهمة التطوير، فالى جانب ذلك كانت هناك تركة ثقيلة من البيروقراطية المالية والادارية التي لا تتناسب مع طبيعة العمل الاعلامي كما ان الامر تطلب ثورة على المفاهيم الاعلامية التقليدية التي كانت ترى في مصاحبة الكاميرا لضيوف الدولة من المطار الى قصر الضيافة، انجازا يضاهي في اهميتة أي سبق صحفي. وكان الامر يتطلب ايضا وضع مقاييس مهنية جديدة لا مكان فيها لخطوط حمراء ولا التزامات مسبقة يصل التمسك بها حد التقديس. كان العمل المطلوب في المحصلة هو محاولة اخراج الخطاب الاعلامي الاماراتي من شرنقة الرتابة في الايقاع والسطحية في التغطية واطلاقه في الفضاء الذي يعج بمئات القنوات وشبكات تبادل المعلومات.

على ان النجاح الذي حققته تلك المحاولة لم يكن كافيا للسيطرة على الهواجس التي ترى فيما انجزته القناة ثمرة لحماس اعتمد في جانب كبير منه على المبادرة الفردية المدعومه بالثقل المعنوي الذي توفره شخصية بحجم وحماس الشيخ عبد الله، ولذلك فان كثيرين ممن تابعوا التجربة كانوا ينتظرون ان تلي فورة الحماس تلك مقاربة جديدة تعطي لمفهوم التطوير نوعا من التأصيل الذي يُخرج هذه العملية من دائرة الفردية الى شكل مؤسسي، لا يتناول التطوير بمفهوم المنافسة اليومية التي تهدف الى مجاراة ما يقدم في المحطات الاخرى بل الى جعل هذه المنافسة حالة مستمرة ودائمة تطال القوالب والهياكل وتملك القدرة على المبادرة والريادة.

ولعل الشيخ عبد الله لم يكن بعيدا عن تلك الهواجس عندما رد مؤخرا على سؤال حول اداء مؤسسة الامارات للاعلام بالقول: ان التخصيص هو الحل، ليس لما يعترض المؤسسة من مشكلات، بل ليضمن البقاء في حلبة المنافسة المهنية والخروج من قيد التمويل والملكية الذي يفرض استحقاقات على القناة تحد من قدرتها على الاستمرار في تقديم المبادرات.

والواقع ان رؤية الشيخ عبد الله هذه تتفق مع ما يجري في المحيط. فالامارات تحتضن العديد من المؤسسات الاعلامية والقنوات الخاصة الناجحة بحيث لم يعد مقبولا ان يظل رأس المال الاماراتي محروما من الانخراط في العمل التلفزيوني فيما تتاح لرؤوس الاموال الاجنبية الفرصة الكاملة في هذا المجال. ومع ان البعض قد يرى ان رأس المال الوطني ليس محروما من المشاركة والاستثمار في وجود المنطقة الاعلامية الحرة في دبي، التي تعطيه مجالا واسعا لاقامة مشاريع اعلامية، فان الرد البسيط هو ان الهدف ليس توفير قنوات استثمارية للقطاع الخاص بقدر ما هو رفع سوية الاعلام الاماراتي ومنع الاهدار المالي في مؤسسات اعلامية رسمية غير قادرة على حمل رسالة اعلامية ناضجة قادرة على مجاراة ما يحدث في المحيط بل والتفوق عليه. ان النظر الى العمل الاعلامي من زاوية الارقام الحسابية المجردة قد يُظهر ان الكلفة المالية للعمل الاعلامي المعتمد على المبادرة الخاصة اكبر بكثير من الاعلام الرسمي المعتمد على البرامج المعلبة والجاهزة، لكن النظر في جوهر التكلفة يُظهر ان كلفة الاعلام الرسمي اكبر بكثير من الاعلام الخاص، إذ أن النوع الاول يعني اهدارا خالصا باعتبار ان ما يتم تقديمة لا يحظى باهتمام احد، في حين ان النوع الثاني رغم كلفته العالية يستقطب الاهتمام فضلا عن انه قد يكون جذابا للمعلن.

يبقى من الخنادق التي يتمترس فيها الاعلام الرسمي للدفاع عن وجوده الباهت ما يمكن تسميته بالمخاوف السياسية والانفلات من الضوابط الاخلاقية والدينية والاجتماعية. ولعلنا هنا لن نعجز عن تقديم الشواهد والادلة على النجاح الذي حققتة بعض القنوات الخاصة الناجحة بدون ان تتخلى عن تلك الضوابط الا في حدود التطور الطبيعي للاشياء. يضاف الى ذلك اننا، لكوننا لا نملك وحدنا الفضاء، ما لم نملأ حصتنا من هذا الفضاء بما هو مفيد وجذاب فسيتولى غيرنا هذه المهمة.ان بلادا بحجم مصر ادركت رغم تاريخها العريق في الصناعة الاعلامية ورغم تعقد مشكلاتها الاجتماعية والاقتصادية ان فرصتها للابقاء على الحضور المصري شهيا وطازجا في الفضاء الاعلامي يكمن باطلاق المبادرة الاعلامية الخاصة من عقالها، الامر الذي الذي ادى لظهور قنوات خاصة مصرية تستقطب من المشاهدين اكبر بكثير مما تستقطبه العديد من القنوات الرسمية الاكثر قدما والاكثر عراقة والاضخم في الموارد والامكانيات.

ان الدعوة الى تخصيص الاعلام لا تستند الى مبررات مهنية فقط بل الى النجاح الذي حققتة الامارات في تخصيص قطاعات كانت تعتبر من المهام الاساسية للحكومة، واعني به قطاع الاتصالات الذي اصبح بفضل التخصيص المبكر له نموذجا لتجارب التخصيص الاخرى في المنطقة واوجد واحدة من اضخم مؤسسات الاتصالات في المنطقة واكثرها ربحية حيث يزيد رأسمالها عن ثلاثة مليارات درهم، فيما تبلغ ارباحها التشغيلية السنوية ما يفوق رأس المال وتزيد حقوق المساهمين فيها عن ثلاثة امثال ما دفعوه برأس المال.