المحترق والممزق من سيلفيا

TT

ذات يوم بعيد قال تيد هيوزعن نفسه انه قد يكون من نوع ذلك الأوز الغريب الذي يطلقون عليه اسم «gray lag goos» وهو حسب دراسات علماء طبائع الحيوان لا يخلص الا لشريك واحد غالبا ما يكون الشريك الاول، فان ضاع تساوت في عينيه الاوزات وما عاد يستطيع الاخلاص الا لغرائزه.

ويبدو ان صناع فيلم « سيلفيا» وهو عن علاقته بزوجته الشاعرة الاميركية المنتحرة سيليفيا بلاث كانوا على اقتناع تام بانه لم يخلص لأحد فالفيلم يظهره كذئب بشري لا يمل من مطاردة النساء واحيانا بحضور زوجته وأزواج الأخريات كما حصل بالعلاقة التي يركز عليها الفيلم مع «آسيا ويفل» التي انتحرت هي الاخرى مع ابنتها من هيوز، فذاك الشاعر الرجيم الأكثر« رجامة» من بودلير وبيكاسو تسبب في انتحار وجنون عدة نساء.

ولم يفتح الفيلم سيرة الأوز الغريب لكنه أوحى في النهاية بأن هيوز ظل مخلصا لحب سيلفيا التي خانها عشرات المرات، والدليل قصائد أعياد الميلاد التي نشرها قبل عام من وفاته وبعد اكثر من ثلاثين عاما على وفاتها.

ولا تفاصيل واقعية عن خيانات هيوز في الفيلم فهذه موجودة بكثافة في كتاب ايما تينانت «المفكرة المحترقة» الذي لم يكن مصدرا وحيدا للفيلم، فالروائية الارستقراطية مؤلفة الكتاب تم اتهامها حين صدوره قبل أعوام بأنها تبالغ لتعطي لنفسها دورا مركزيا في حياة شاعر البلاط الملكي العاطفية.

لقد كان ذلك الشاعر ذئبا بشريا حقيقيا وكان عنده في شقته بشمال لندن في منطقة «تافنيل بارك» غرفة عمليات حمراء شهدت غير غرامياته مع المؤلفة قصصا اخرى مع شهيرات ومغمورات احداهن الروائية انجيلا كارتر التي لا أثر لها ولا لغيرها من العشيقات الواقعيات في الفيلم الذي ينتهي بمشهد الانتحار بالغاز وهذا أغبى ما فيه، فالناس لا يذهبون لمشاهدة قصص يعرفون بدايتها ونهايتها انما يشاهدون الافلام بحثا عن تحليلات واضاءات كما حصل مع افلام كثيرة ناجحة اخذت من حياة شخصيات واقعية عن حياة الروائية ولعبت باقتدار على أوتار التحليل النفسي وفانتازيا المخيلة.

ومن نواحي القصور في فيلم سيلفيا انه اهمل مفكرتها المنشورة بصورة شبه كاملة منذ عام 1982 بعنوان «جورنال سيلفيابلاث» وفيها لا تحكي عن غرامياته المكثفة مع النساء فحسب بل تلمح الى علاقة شاذة بينه وبين الكاتب الاميركي ترومان كابوت، وكانت هذه المفكرة قد نشرت للمرة الاولى بعد انتحارها بعد حذوفات كثيرة فرضها تيد هيوز على الناشر، وهناك من يعتقد انه مزق الكثير من أوراقها قبل ان يسمح بنشرها كاملة، وربما يكون الجزء الممزق من هذه المفكرة هو الذي يشير الى علاقته بذلك الكاتب المعروف بشذوذه.

وان سألت كيف يمكن ان يكون هذا الشاعر نشيطا على الجبهتين الذكورية والانثوية فان الفيلم لا يجيبك بشيء لأنه تحاشى القصة بكاملها. أما الذين يعرفون ذلك الشاعر الصاخب فلا ينكرون احتمال ان يكون من النوعية المعروفة بـ« باي ساكشوال» وهي فئة كثيفة الحضور في الاوساط الابداعية شرقا وغربا.

ان الذين صنعوا هذا الفيلم التراجيدي لم يزيدوا حرفا على طروحات النسويات الاميركيات اللواتي يحملن هيوز منذ عام 1963 مسؤلية انتحار زوجته الشاعرة، وهذه ربع الحقيقة فقط فمفكرة سيلفيا تكشف عن ان صاحبتها كانت تفكر بالانتحار وحاولته عدة مرات قبل ان تلتقي زوجها، وقد كتبت بخط يدها في المفكرة معتبرة الموت فنا من الفنون التي تتقنها بامتياز. ولو انتحرت كل امرأة يخونها زوجها أو كل زوج تخونه زوجته لانحلت مشكلة الكثافة السكانية في العالم الذي لا يشكو من قلة في الانتحارات والانكسارات العاطفية ولا من شح في الخيانات الزوجية.