عندما يرحل الرئيس

TT

استجابت احدى المحطات الفضائية للضغوطات الشعبية والسياسية الأكبر وقامت بالغاء برنامج التلفزيون الواقعي (الرئيس). هذا هو الخبر الذي تداولته الصحف وتناقلته وكالات الانباء العربية والاجنبية. وبدأت مقابلات ومقالات التحليل عن الجوانب الحضارية المختلفة ما بين الغرب والشرق، وكيف ان العرب غير قادرين وليسوا مستعدين لقبول مسلسل كـ«الرئيس» وانه بالتالي هناك فارق كبير وهائل وفجوة ضخمة بين قيم الطرفين.

والاستجابة السريعة التي حدثت من قبل المسؤولين عن المحطة كانت نتاج ضغوط شعبية عبر عنها بالمسيرات والمظاهرات والمقالات الصحفية، اضافة الى مداولات صاخبة لنواب في البرلمان. كل ذلك حدث في البحرين مكان تصوير البرنامج. والبرامج التي يطلق عليها اسم التلفزيون الواقعي انتشرت ولاقت رواجا في تلفزيونات العالم والآن بدأ الجمهور العربي يتلقاها بعد ان تم تعريبها. وتقدم تلك البرامج على أساس انها جرعات عالية غير مسبوقة من الحرية، ولكن واقع الأمر ان ما تقدمه تلك البرامج هي جرعات هائلة من التحرر. وفرق شاسع وكبير بين الاثنين، فالحرية دائما لها سقف اخلاقي لا يضر.

والعجيب ان يأتي هذا الزخم من تلك البرامج وسط الحديث عن الاصلاح المنشود والمنادى به، فأين البرامج التي تخاطب المشاكل والتحديات العربية الملحة وتخاطب الأمور بمسمياتها وتقترح الحلول لها. فمع الايمان التام بأهمية وضرورة تكريس حرية الرأي والكلمة الا انه من غير المقبول ان يكون الخيار أمام المشاهد والمستمع العربي اما برامج حوارية هي أقرب للعراك والاشتباك الكلامي أو برامج مليئة بالتفسخ والعري فقط. ولعل أهم ما في تجربة الغاء برنامج «الرئيس» هو انه كان نتيجة تفاعل حي لمظهر من مظاهر المجتمع المدني وبصورة سلمية.

مسيرات عبرت عن رأيها، نواب نقلوا هذا الرأي للسلطات، ولعل الحلقة المفقودة التي كانت مطلوبة هي ان تكون هناك قراءة واسعة للرأي العام بحيث تعكس هذه الحركة التي حدثت رأي الاغلبية وليس فقط رأي اصوات مرتفعة غلبت غيرها.

المجتمعات العربية تعيش فترة من القلق والتوتر بسبب ظروف استثنائية، فمع انفتاح ثقافي وفكري، يرحب به البعض وآخرون ينعتونه بالغزو الفكري، يقع المواطن في حيرة من أمره ونفس الشيء بالنسبة للاصلاح السياسي.

فما يعتبره البعض اصلاحا حقيقيا منشودا يعتبره البعض تدخلا في شؤون السيادة وفرض شروط من الخارج. ولكن الاصلاح قادم وحاصل وعلى العرب التعامل معه بالعقل لا بالعواطف فقط. والفجوات الموجودة في الحال السياسي العربي هي التي تسمح بالتدخل في الشأن الاصلاحي العربي. كذلك الأمر بالنسبة للاعلام، فالمساحة الهشة المسموح بها تحت اسم الحرية هي التي سمحت لأمريكا ان تقدم جريمتها الاعلامية الجديدة باسم «الحرة». الاعلام العربي مهما استقل لا يزال يعكس واقعه العربي المليء بالتناقضات والازدواجية.. وهذا خلل بحاجة الى اصلاح.