أشرطة الإرهاب وتوظيف الإعلام.. البروباغاندا الجديدة

TT

ما القاسم المشترك بين بث شريط لزعيم تنظيم القاعدة وبث شريط لمنفذي تفجير المحيا بالرياض؟! بالتأكيد المضمون والتوقيت والمغزى! فقد بات توظيف الاعلام النقطة المفصلية التي يمكن من خلالها تحقيق الاهداف وبالتالي الوصول الى الغايات، ويبدو ان ثمة مصالح تلاقت وتقاطعت بين اصحاب تلك الغايات وبين من يبث تلك الاشرطة، وكأنما ثمة مصلحة مشتركة بين الطرفين، فالاول يوقن ان رسالته ستصل، في حين ان الطرف الثاني يستفيد ايما استفادة من البث، حيث الدعاية وجذب المشاهد بغض النظر عن اخلاقيات المهنة، فضلا عن ان هناك اهدافا غامضة وعليا لمن يبث تلك الاشرطة يسعى الى تحقيقها ليست بالضرورة ان تكون مباشرة ولكنها تدخل في باب توظيف الاعلام لأجل تحقيق الغاية المراد الوصول اليها.

على ان المقام هنا ليس لتحليل اهداف قناة الجزيرة في بث تلك الاشرطة، إلا ان المقال هنا ينزع الى محاولة قراءة ابعاد هذا المنحى لهذه الجماعة أو تلك من أجل فهم الغاية أو محاولة الوصول الى فهمها على أقل تقدير.

على ان الاجتماع الذي نظمه (الانتربول) الشهر الماضي في جزيرة بالي كشف انه لم يعد مستغربا ان تجد في مختلف الدول اعضاء في تنظيم القاعدة وخلايا لم تكن معروفة في السابق. واشارت تقديرات مجموعة مراقبة تابعة للأمم المتحدة الى وجود عدد يتراوح بين 30 ـ 40 جماعة ترتبط بتنظيم القاعدة، وتبين ان هنالك 12 منظمة رئيسية باستطاعتها تنفيذ اعتداء بمستوى هجمات 11 سبتمبر 2001، وان عناصر هذه المجموعات تلقت تدريبات وتتوفر لديها المتفجرات والأموال اللازمة لتوجيه ضربات الى الاهداف مثلما حدث في الرياض والدار البيضاء واستانبول، ورغم ضراوة الحرب على مكافحة الارهاب، إلا ان الكثيرين يعتقدون ان ثمة تزايدا لقوة هذه المجموعات واتساعا لطموحاتها، كأنصار الاسلام وكتائب الحرمين والجماعة السلفية للدعوة والقتال الجزائرية وعسكر طيبة والجماعة الاسلامية وغيرها، إلا انه لم يتضح ما إذا كان هناك تنسيق بين تنظيم القاعدة وهذه الجماعات ولم يتوصل المحققون الى وجود دليل قاطع على وجود اتصال، إلا ان المسؤولين في الاستخبارات الاوروبية لا يعتقدون بأن تزامن الهجمات في تلك الدول كان مجرد مصادفة فقط.

غير ان المسألة ـ في رأي كاتب السطور ـ انه ليس بالضرورة ان يكون التواصل ماديا بين هذه الجماعة أو تلك، طالما ان الاسلوب والطريقة والآيديولوجية تنتمي لنفس النسيج ولذات العقلية التي لا تلبث ان تفرز طروحاتها وتوجهاتها عبر الاعلام، وهل من وسيلة اجدى من الاعلام ووسائل الاعلام، وهنا فقط يكمن المغزى والهدف والتوقيت، وبالتالي يكمن سر تواصل هذه الجماعات وتفاعلها واستمراريتها دون ان تتواصل مع بعضها البعض أو تخطط أو تنسق فيما بينها، فالوسيلة الاعلامية اكفتهم العناء بل وسهلت لهم التواصل المعنوي وبالتالي حققت لهم التواجد والبقاء. وعند الارتهان للموضعية، نجد ان الوسيلة الاعلامية لا بد لها من الالتزام بأُطر عامة يتمدد بها عملها وانتاجيتها وحتى لا تمنح الآخرين الفرصة من توظيفها ـ كما ذكرنا آنفا ـ لتحقيق مآرب قد نتعارض مع فلسفتها وتوجهها، إلا ان هذا لا يعني ان بث مثل تلك الاشرطة لا يعطي لهذه الوسيلة الاعلامية أو تلك حضورا طاغيا وذيوعا تبز به الأخريات، بل ومصداقية تزيدها توهجا، غير ان التساؤل الحارق يكمن في الكيفية التي يستقيم فيها هذا الكلام مع ذلك الاسلوب الذي تنتهجه تلك الوسيلة الاعلامية في القاء الضوء على قضايا معينة لبلد ما وابرازها وتضخيمها، في حين انها تنسى أو تتناسى قضايا مهمة للبلد الذي تبث منه لأسباب لم تعد تنطلي على أحد!.

على أي حال، وبالعودة لصلب الموضوع، نجد ان بث تلك الاشرطة له من الآثار السلبية كالتحريض والتأثير على الشباب المتحمس واستثارة العواطف ومكافأة الارهابيين وذلك بافساح المجال لهم بنشر رسائلهم وايصال مطالبهم بهدف خلخلة الأمن وشرخ النسيج المجتمعي لهذا البلد أو ذاك، وهذا يتعارض مع سمو الرسالة الاعلامية واخلاقياتها وقيمها، ومع ذلك فإن ثمة جوانب ايجابية تتكشف لنا حين القراءة المتأنية لمضامين تلك الاشرطة، فالشريط الأخير يفضح لنا ضحالة المستوى الفكري والعقدي لأولئك الشباب المغرر بهم، وبدا لي ان بعضهم يعاني من غشاوة فكرية وعدم قدرة على الانفكاك من قناعات تشرب بها دون فهم، رافضا تحليل واقع الحال، ومتجاهلا متغيرات العصر وظروفه، ولذا فإن هذه الجماعة لا تختلف عن تلك، لأن لغة العنف هي اللغة الوحيدة، والسلوك هو سلوك الرفض، والعقلية لا تتجاوب ولا تتقبل الجديد، وباعتبار ان الحقيقة المطلقة هي ملكهم. وقد يتنوع خطاب هذه الفئة عن تلك لكن الغاية هي ذاتها، والرأي الاحادي هو ذاته. ولعل من استمع للآراء التي جاءت في شريط المحيا، يجد انها ترتكز على لغة العنف (القتل) ورفض الواقع والحنين الى (الماضي) دون الأخذ في الاعتبار واقع الحال من ظروف ومتغيرات. غير ان الشريط جاء ليهمس في آذاننا، ان عملية تفجير المحيا لم تكن عملية ارتجالية وعفوية، بل كان مخططا لها من قبل عصابة ارهابية استهدفت الآمنين والابرياء، وان بين ظهرانينا بعض خلايا ارهابية تعشق العنف ورؤية الدماء، وهو ما يثير تساؤلات معلقة لم تجد اجابة عنها بعد عن من يقف وراء هؤلاء ومن يمولهم ويدعمهم، لا سيما وقد شاهدنا اسلحة ومتفجرات لا يمكن الحصول عليها الا بدعم جهات قادرة على توفير تلك الامكانات.

بقي ان نقول، ان مكافحة الارهاب مهمة مشتركة بين الحكومة والمجتمع ومتى ما تخلى احدهما عن الآخر، فإنه لا سبيل لكبح الارهاب وخلاياه!.

* كاتب سعودي