مفاوضات الساعات الأخيرة

TT

إذا كان مقدراً للمفاوضات الفلسطينية ـ الاسرائيلية الإفلات من قبضة آرييل شارون، فلعل الدخول اليوم في سباق مع الزمن خطوة ايجابية في الطريق الصحيح.

من المؤكد أن الإفراط في التفاؤل من اجل التفاؤل لا يسمن ولا يغني من جوع. لكن يظل من المفيد خوض جولة اخرى من التفاوض، شريطة ان يكون واضحاً للطرفين ما هو المطلوب منها.

ولعله من المفيد للجانب الفلسطيني ان يدرك انه لأول مرة منذ بعض الوقت هناك مفاوض اسرائيلي مستعد، اضطراراً، لمراجعة «ثوابت» غرّرت الماكينة الاعلامية الصهيونية المتطرفة الاسرائيليين بها طويلاً، فأفهمتهم ان لا مجال للبحث في شأن القدس، ولا في شأن الانسحاب من الضفة الغربية وقطاع غزة، ولا في شأن الأمن، ولا في شأن مصير المستعمرات، ولا في شأن عودة اللاجئين الفلسطينيين. وهكذا صار الاسرائيلي لقمة سائغة لتجار الاحلام الرخيصة وجلاوزة القهر والقمع، الذين بلغت ديماغوجيتهم حد اقناع ذلك المواطن ان الفلسطيني الوحيد المقبول هو اما الميت او المطرود او المعتقل.

ولكن، ثمة بوادر ازمة مرة تتسلل الى المجتمع الاسرائيلي، اخذت تقنع كثيرين ان مشكلة اسرائيل هي اولاً واخيراً مع نفسها. انها مشكلة هويتها ومستقبلها. والخيارات الآن سواء أقر بها «حمائم» طيفها السياسي و«صقوره» ام ابوا، خيارات تضيق باستمرار.

وبالتالي، فعندما يقول شلومو بن عامي ان السلام مع الفلسطينيين لم يكن في متناول اليد كما هو الآن، وعندما يقول مارتن أنديك ان اسرائيل كانت مستعدة لعقد صفقة مع سورية تنسحب بموجبها من كامل الجولان لولا عقبة الشاطئ الشرقي لبحيرة طبرية، فالمغزى في الواقع مغزيان اثنان: الاول بطبيعة الحال تلميع صورة القيادة الاسرائيلية الحالية دولياً، اما الثاني فهو التنفيس عن ضائقة ما تريده اسرائيل لنفسها.

آرييل شارون لا يملك اي تصور للحل ولا اي رغبة فيه، ولكنه للشارع الاسرائيلي اشبه ما يكون بالمخدر، يؤمّن تخديراً سهلاً يسهّل الهروب من الذات. ولذا ما زال متقدماً في استطلاعات الرأي. ولكن ما لم يخطئ الفلسطينيون والعرب والقوى المسؤولة في العالم حساباتها، ما زال ممكناً إنقاذ الاسرائيليين من اوهامهم، والتوفير عليهم وعلى العرب الاماً سيجرها شارون على كل شعوب المنطقة. المطلوب حقاً من مفاوضات «الساعات الاخيرة» وضع النقاط على الحروف، من دون إبهام او نيات او كلام مطاطي، وإفهام القيادة الاسرائيلية الحالية، انها لن تستطيع المحافظة على الشيء وضده على طول الخط، فإما سلام شامل وعادل ودائم، وإما دفع الفاتورة داخل نفق مظلم.