حقا: أبواب دمشق مفتوحة... ولكن!

TT

في المؤتمر الصحافي الذي شارك فيه مع الرئيس المصري حسني مبارك، الاثنين الماضي، اكد الرئيس السوري بشار الاسد ان ابواب سوريا مفتوحة امام كل العرب. والواقع يؤكد ما اكده الرئيس الشاب. واقع اللوائح السورية، وواقع الممارسة على الارض. اللوائح تقول ان المواطن العربي ليس في حاجة الى تأشيرة دخول لزيارة سوريا. الواقع الممارس على الارض يقول بذلك ايضا، إذ يصل الى سوريا شهريا آلاف من رعايا الدول العربية الاخرى دونما حاجة الى تأشيرات دخول، ومن دون تعقيدات في منافذ الحدود، فيستمتعون بوقتهم في ربوع الشام او على شواطئ اللاذقية او بين آثار تدمر وفي قلعة حلب، إن كانوا سائحين، وينجزون مصالحهم اذا كانوا اصحاب اعمال، او انهم يقصدون هذا الطبيب او تلك الجامعة، وفي مطلق الاحوال هم بالتأكيد يستفيدون، وبلا شك يفيدون، فليس من بلد يهمه تنشيط حركته الاقتصادية إلا ويحرص على زيادة نصيبه من عدد زائريه عموما، وبشكل خاص القادرين على انفاق عملات اجنبية.

بيد ان في الامر استثناء آن أوان المبادرة الى التعامل معه باجراء متفتح ينسجم وروحية المنهج الذي يبشّر به الدكتور بشار، وهو منهج اتضحت معالمه الاساسية في خطابه الاول كرئيس للجمهورية، ثم تبلور على الارض عبر اكثر من خطوة لقيت التقدير في الداخل ولفتت الانتباه في الخارج.

باختصار، هو استثناء يتعلق بمواطنين عرب ايضا لكنهم محرومون مما يتمتع به غيرهم، إذ يخضع دخولهم الاراضي السورية الى اجراءات تدقيق تستغرق وقتا طويلا، ومراجعات عديدة، قبل حصول الراغب منهم في زيارة سوريا على تأشيرة الدخول المصحوبة بموافقة جهات الاختصاص في دمشق.

لماذا؟

باختصار ايضا، لأنهم من قطاع غزة! من الطبيعي انه لا بدّ ان مبررا وجيها وقويا استوجب وفرض ان تقرر جهات الاختصاص في دمشق مثل هذا الاجراء في التعامل مع منح تأشيرات الدخول لابناء غزة، واذا كان ليس لأحد ان يجادل في الحق السيادي لاية دولة في ان تمارس ما تراه اجراء امنيا ضروريا عند منح تأشيرات الدخول، فانه يجوز الافتراض ان هذا الاجراء السوري مع ابناء غزة اتُخذ وطُبق على مضض، فصار مثل «ابغض الحلال»، لأن أهل غزة هم، في نهاية المطاف، اشقاء عرب للسوريين مثلهم مثل غيرهم من الاشقاء العرب.

كل هذا مفهوم، ويجب ان يكون مُقَدَراً، لكن ألم يحن اوان اعادة النظر في الظروف التي اوجبته قبل بضع سنوات؟ واذا كان لا مفر من الاستمرار في هكذا اجراء لأن ما اوجبه ما زال مستمرا، أليس من الممكن اعادة النظر في حالة التشدد المطلق، فيصار الى نوع من المرونة، ولو على الاقل في التعامل مع حالات ابناء غزة المغتربين في الدول العربية، او في دول الاغتراب الاخرى، خصوصا ان هناك حالات يصعب فهم حرمان اصحابها من زيارة سوريا او تعقيد حصولهم على التأشيرة، لمجرد الصلة بقطاع غزة! يقول احد اصحاب هذه الحالات، بمزيج من الأسى والاستغراب، ان ابنه وابنته المولودين في سوريا، واللذين يعيشان في دولة اوروبية منذ عشرين سنة، ويحملان جنسيتها، لا يستطعيان زيارة جدهم، ولا اخوالهم وخالاتهم، ولا ضريح والدتهما في حلب... فقط لأن والدهما من قطاع غزة! لقد خطا الرئيس الدكتور بشار الاسد اكثر من خطوة في المكان المناسب وفي الوقت المناسب، وابناء غزة ينتظرون منه خطوة في اتجاههم فيفتح لهم ابواب دمشق مثلما هي مفتوحة لغيرهم.