هل أخطأنا في حق العراق؟ نعم ولا! (2 ـ 3)

TT

بعد عشر سنوات على حرب تحرير الكويت ومقاطعة العراق، لا بد ان نسأل انفسنا عن عقد كامل من الممارسات السياسية والمواقف الفكرية، هل اخطأنا وفي ماذا؟ دبلوماسيا كان طبيعيا ان ينقسم العرب ويختلفوا بين ميل للعراق وانضمام للخليج، فهو انقسام يعكس محاور سياسية كانت موجودة أساسا حتى بدون وقوع غزو الكويت. لاصلاح ذات البين استغرق الأمر ست سنوات مليئة بالمناوشات حتى انتقلت كل الدول المؤيدة لبغداد لتتحالف مع المعسكر المضاد. كانت حربا دبلوماسية هادئة افلحت في عزل بغداد عربيا فلم يزر عاصمتها زعيم عربي واحد الى اليوم رغم شعبية القضية العراقية في الشارع العربي، والحقيقة ان بغداد التزمت في الأخير بأسلوب اقل مشاغبة في التعامل مع الاجتماعات العربية المشتركة بما فيها الجامعة العربية. بغداد ايضا تساهلت كثيرا مع الخارجين عليها والمتنصلين من تأييدهم تاريخيا لأم المعارك. ونعتقد ان الخلافات تصبح ممكنة الاحتواء عربيا اذا تركت لوزارات الخارجية، كما رأينا في اسلوب الخارجية العراقية او الخارجية الكويتية اللتين ابقتا على شعرة معاوية عبر المؤتمرات واللجان متفاديتين الخلافات قدر المستطاع. ولعل اكبر الخيبات التي منينا بها في السنوات التسع الماضية تمثلت في دور المعارضة العراقية. فقد كان التصور الأولي انها ستكون المخلب الذي يهدد به النظام العراقي او حتى اسقاطه، لكن المعارضة بسبب اختلافاتها تحولت الى مكاتب اعلامية محدودة التأثير على بغداد. بل ان اوضح فشل للمعارضة وللدول العربية التي ساندتها عجزها الواضح حتى في شرح قصتها للجمهور العربي الكبير وبسبب غيابها تفوقت الدعاية العراقية في تصويرها ظلما انها، اي المعارضات العراقية، مجرد ادوات للاستخبارات الاميركية. ولن يمكننا ان نفي موضوع المعارضة حقه في هذه المراجعة الموجزة لكن كما نرى الآن فهي لم تحقق شيئا مهما ابدا، وبدا النظام العراقي متعافى وممسكا بالحكم ومتمكنا من التضييق على المعارضة حتى لم يعد لها وجود عربي الا محدود في الاردن بعد ان خسرت اخر مواقعها في سورية. المعارضة الكردية نجحت جزئيا بسبب سرعة فصل المنطقة الكردية وتمكين الاكراد من ادارة محافظاتهم تحت الحماية الدولية بعيدا عن سلطة صدام وكذلك بسبب توفير التمويل الدائم لخدمة هذه المنطقة الذي اقتطع من مخصصات الحكومة العراقية فعاشت افضل ايامها شبه مستقلة ومستقرة ومزدهرة ايضا وهو ما لم يعرف اكراد العراق مثيلا له منذ السبعينات. لكنها حرية مؤقتة، فمجلس الامن يعتبرها منطقة محمية دوليا لكنها سياديا تابعة لبغداد وستعاد اليها لاحقا. لاشك ان الدول المعنية اخطأت في اهمال المعارضة العراقية فخسرت بذلك العصا الوحيدة التي كان يمكن الضغط بها على النظام، فالسعودية والكويت منعتا المعارضة العراقية من اراضيهما، وسورية اعطتها مساحة محدودة ثم عطلتها، والاردن فتح الباب لكن المعارضة ظلت خائفة من سطوة المخابرات العراقية وحاجة الاردنيين للعلاقة الاقتصادية مع بغداد.