عرب يحبون كل ما هو أميركي..لكنهم غاضبون

TT

يواجه الكثير من العرب الذين اصبحوا اصدقاء للولايات المتحدة ومؤيدين لها بقوة، بمرور السنين، معاناة حقيقية في ظل الاوضاع الراهنة. فالشعور السائد بين هؤلاء هو الخوف من الدفاع بصورة مكشوفة عن العلاقة مع واشنطن، لأن انتقاد الولايات المتحدة وسياستها اصبح واسع الانتشار في العالم العربي.

عدت لتوي من رحلة مطولة الى منطقة الشرق الاوسط، التي قضيت فيها معظم فترة عملي في وزارة الخارجية الاميركية خلال العقود الثلاثة الماضية. وقد لاحظت ان الغضب العربي العام تجاه واشنطن فاق أي وقت مضى، حتى خلال عقد الخسمينات من القرن الماضي، عندما عبأ الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر الجماهير العربية ضدنا.

قابلت خلال هذه الرحلة العديد من الاصدقاء، ووجدت وزوجتي حفاوة وكرما من غالبيتهم. إنهم لا يزالون يحبون ديمقراطية الولايات المتحدة، ونظامها التعليمي، وثقافتها، وتقدمها التقني، لكنهم يشعرون بقلق بالغ ودهشة ايضا، ازاء السياسات التي تتبعها ادارة الرئيس بوش، كما يؤكد هؤلاء انه من الصعب الآن الاعراب عن التأييد لاميركا مثلما كان يحدث في السابق.

ما يمكن قوله هنا، هو ان الولايات المتحدة ظلت تتمتع بسمعة ممتازة وسط العرب لفترة نصف قرن تقريبا، اذ لم يتراجع دفء العلاقات بين الجانبين إلا عند تأييد واشنطن لاسرائيل، وهو ما ينظر له العرب انحيازا غير عادل. فعلى سبيل المثال، اشاد العرب بإدارة بوش الاب لتحريرها الكويت، وتوسطها فيما بعد، في عملية السلام بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي التي استمرت خلال عقد التسعينات.

اما الآن، فقد الحقت ثلاث قضايا رئيسية ضررا بالغا بصورة الولايات المتحدة في العالم العربي.

اولى هذه القضايا تتمثل في النزاع العربي ـ الاسرائيلي، فعندما تتصاعد اعمال العنف بين الجانبين، يبدو للعرب ان الولايات المتحدة تدين فقط الفلسطينيين وتوافق على استخدام اسرائيل للقوة التي تؤدي في الغالب الى خسائر في ارواح الابرياء. ويعتقد العرب ان جورج بوش الابن تخلى عن أمانة وإخلاص والده الرئيس السابق، وجيمي كارتر، في التوسط لحل هذا النزاع. كما لا يرى العرب أي صلة بين هجمات 11 سبتمبر (ايلول) 2001 والنزاع العربي ـ الاسرائيلي. وعلى الرغم من ان بوش اعلن عن «خريطة طريق» جديدة للسلام صاحبتها ضجة كبيرة، فإن العرب يعتقدون ان هذه المبادرة فشلت تماما.

العراق، يمثل القضية الرئيسية الثانية التي ألحقت ضررا كبيرا بصورة الولايات المتحدة في العالم العربي. لا احد في المنطقة يدافع عن صدام حسين او يرغب في وجوده، إلا ان المعارضة للحرب الاميركية كانت عالمية، فالعرب يعتقدون تماما انه لم يكن هناك ما يستدعي الحرب، لأنهم لا ينظرون الى صدام حسين كونه يشكل تهديدا او خطرا. وبالتالي برزت موجة استياء وسط العرب بسبب تدخل الولايات المتحدة في دولة عربية. والآن، بعد ان احتلت الولايات المتحدة العراق، لفترة عام تقريبا، ظل خلاله العراقيون يعانون من حالة عدم الاستقرار والعنف وانعدام الخدمات الاساسية، ثمة اعتقاد بأننا غزونا العراق للسيطرة على نفطه وحدوده وللتغطية على نوايانا الحقيقية بتغيير المبررات باستمرار.

ثالثا: دعا بوش في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي العرب الى تطبيق الديمقراطية وإجراء اصلاحات اخرى. إلا أن كثيرا من العرب انفسهم نادى بالاصلاحات، بيد ان تزايد عدم الثقة من واشنطن، ادى الى اعتبار الاصلاحيين من قبل معارضي التغيير ادوات في يد الولايات المتحدة، لتدمير الثقافة العربية الاسلامية.

فعلى سبيل المثال، قال لي اردنيون، انه رغم موقف بلادهم المؤيد للولايات المتحدة، فإن ثمة شعورا بالاستياء وسط الشارع الاردني من حديث جورج بوش في نوفمبر الماضي، لأن الناس هناك لا يثقون في نواياه لأنه يبدو منحازا ضد الفلسطينيين وغزا العراق.

اما في السعودية ودول عربية اخرى كانت تعتبر في السابق صديقة لنا، فإن وسائل الإعلام تعكس آراء مماثلة. وما يمكن قوله هنا، هو ان تغير المزاج العام، لا يمكن قادة الدول الصديقة من الاعتماد على أي تأييد في اوساط الشارع للولايات المتحدة.

وتعكس محطات التلفزيون العربية هذا العداء وتغذيه. وغالبية الهجمات التي تعبر عن الاستياء لفظية الطابع، إلا ان مصريا وجه في 13 فبراير (شباط) الماضي، طعنات الى اجنبيين ظنا منه انهما اميركيان. وقال في معرض التحقيق معه، انه غاضب ازاء السياسات الاميركية. هذا العنف ضد الاجانب نادر الحدوث ولم يسمع تقريبا عن مثل هذا الهجوم ضد اميركيين.

لقد توقعت ادارة بوش ان يتحول العراق بسرعة الى نموذج لنظام ديمقراطي يشجع على إجراء اصلاحات في دول المنطقة، إلا ان ذلك لم يحدث. ورغم كل ما يجري، يتابع العرب عن كثب حملة الانتخابات الاميركية التي ستؤثر بدورها على نحو غير مقصود او مباشر في تشجيع العرب على التفكير في الاصلاحات الديمقراطية. لعله من الافضل ان تصبح الدولة نموذجا يحتذى به بدلا من ان تحاول التدخل في الخارج لفرض التغيير على الثقافات الاخرى.

* سفير اميركي سابق لدى اليمن (1984-1987)

والامارات العربية المتحدة (1992-1995)

- خدمة «واشنطن بوست» و«لوس انجليس تايمز»

خاص بـ«الشرق الاوسط»