الأنظمة... ومعارضوها!

TT

صديق ظريف لا يخلو من خبث بادرني ذات يوم بسؤال: هل تعرف ما هو الشيء الوحيد الأسوأ من الأنظمة العربية؟ فأجبته: لا والله... وهنا، مع ابتسامة ماكرة رد: معارضوها!

من دون «بعض»، ومن دون «أل» التعريف، استدعت المحاورة خوضا اكثر جدية واكثر دقة في التوصيف والتشخيص. وفعلا لم يكن الاتفاق بعيدا.

فمثالب بعض الأنظمة ـ و«البعض» هنا واسعة ـ ما عادت تحتاج الى دليل. ولكن حتى لو كانت تحتاج، فان تقرير التنمية الانسانية العربية الصادر عن «برنامج الأمم المتحدة التنموي» UNDP، الذي استغله العدو قبل الصديق، وفر كل قرائن الادانة.

فقوانين الطوارئ، ومحاكمة المدنيين في محاكم عسكرية، وتحكيم دولة الاستخبارات (او «المخابرات» كما تصر بعض الدول على وصف استخباراتها)، و«شخصنة» السلطة، والفساد المسكوت عنه والمستشري في القطاعين العام والخاص، والعشائرية، والمحسوبية، ومحاربة الكفاءات المستقلة الرأي، والاعلام الخطابي الغبي الموجه مباشرة او بـ«الريموت كونترول»... حالات يستحيل الدفاع عنها في عصر الشفافية.

عصر «القرية الكونية»...

عصر الأحادية السياسية العالمية التي تستطيع ساعة تشاء ان تتصيد الخطأ وتضخمه وتجيره لخدمة اغراضها.

هل للأنظمة أعذار؟ طبعا لها أعذار اهمها واخطرها اسرائيل. فباسم تحرير فلسطين من رجس الاحتلال الاسرائيلي أجلت الديمقراطية العربية وشلّت ونمت العسكريتاريات و«الجمالك» (الجمهوريات الملكية) ورسخت جذورها، وتبخرت اموال التنمية فصارت سحبا داكنة تمطر اسلحة، اذا كانت ثمة ارادة في استخدامها... ما وجدت الدراية.

والحقيقة ان اسرائيل ـ خلافا لما يزعمه «ليكوديو» العرب في هذا الزمن الاغبر ـ عنصر حيوي حقيقي معطل للتنمية وللديمقراطية. وعامل مدمر حتى للديمقراطية الدولية. فقلة من الدول الاعضاء في الامم المتحدة استُخدم «الفيتو» لحماية مصالحها وعدوانها مثل اسرائيل. وفي احصائية تدعو الى التفكير والتأمل متصلة بمهام حفظ السلام التي تضطلع بها الامم المتحدة اكتشفت ما يلي:

منذ 1948 وحتى اليوم هناك 13 قوة حفظ سلام دولية تمارس نشاطها عالميا، في آسيا وافريقيا واوروبا تعرض عدد من عناصر لاعتداءات قاتلة من الأطراف المتحاربة. وقد تصدرت قائمة الضحايا من عناصرها هذه القوات قوة «يونيفيل» الدولية في جنوب لبنان بـ248 قتيلا، تليها بفارق كبير القوة الدولية في قبرص بـ172 قتيلا ثم القوة الدولية في سيراليون بـ134 قتيلا. اما باقي مجموع القوات الـ13 الأخرى فلا يصل الى 150 قتيلا. واللافت ان نسبة عالية من ضحايا قوة «يونيفيل» راحوا في حادث واحد هو القصف الاسرائيلي لمجمع «يونيفيل» في قانا، حيث كانت مجزرة، راح ضحيتها العديد من المدنيين الذي لجأوا الى المجمع الدولي أملا بالحماية فقضوا وقضى معهم كثيرون من ممثلي الشرعية الدولية.

طبعا لا احد منا سمع بفرض عقوبات على اسرائيل وقلة منا على بينة من تفاصيل هذه الاحصائية.

مع هذا، يجب القول ان الاكتفاء بجعل العدوان الاسرائيلي مشجبا للتقصير ومبررا كافيا للسكوت على حالة الاحتقان التي يمر بها العالم العربي خيار انتحاري. بل هو الآن زقاق خلفي لـ«الليكوديين» العرب لكي يتعمدوا تضليلنا بتغييب التأثير الاسرائيلي السرطاني على واقعنا. لقد بالغنا في رفعه حجة وحيدة لتخلفنا حتى أبليناه استعمالا ورخصنا في قيمته وجرأنا سفهاءنا ومأجورينا على تسخيفه والتقليل من قيمته.

ان العدوان الاسرائيلي على الوجود العربي برمته لم يبلغ في تاريخه مستوى الخطورة التي بلغها اليوم. فهو في هذه اللحظات عنصر تفتيتي ناشط اقليميا، وتحريضي دوليا، ولا خيار إلا بمواجهته انطلاقا من الادراك العميق لمضمونه وابعاده وامتداداته إزاء حالة الشلل العربي الكامل.