الديمقراطية..؟؟

TT

ذهبت الى مؤتمر الاصلاح العربي في مكتبة الاسكندرية وقلبي عامر بفكرة الديمقراطية كسائر قلوب زملائي المشاركين. جلست في الطائرة وانا افكر بكل ما سأقوله من دفاع عنها ودعوة لها. جلست واستمعت للخطباء واحدا بعد الآخر يؤكدون عليها. وعدت للندن احمل قرارات المؤتمر السياسية التي تجعل الديمقراطية اللولب الدوار للاصلاح. ولكن العجيب انني بدلا من ان اعود بالتزام اكبر نحوها وجدت ايماني بها يتضعضع وشكوكي تتعاظم. هل حقا وفعلا ستستطيع الدول العربية اصلاح بيتها بالديمقراطية؟

لم أعد واثقا من ذلك الآن. فالاصلاحات المطلوبة اكبر من ان يستطيع اي برلمان تمريرها وأعقد من ان يستطيع الناخب العادي فهم مقتضياتها. اننا امام حرب. حرب ضد قوى قرون من التخلف. والمعتاد في ظروف الحرب ان تركن الامة لمتطلبات الظروف الاستثنائية ولقيادة كفوءة تؤمن بها، اذا اردنا الوثوب فعلا، فما نحتاجه هو قيادة كرزماتية واعية وعادلة ونزيهة، قيادة تجمع بين شعبية ناصر وزهد غاندي وايمان مانديلا وبراغماتية شرشل وانسانية الأم تريزة. قائمة طويلة؟

قيل ان ابنة احد السلاطين تمنعت عن الزواج، فسألتها أمها: با بنتي ترفضين كل من يتقدم لك. وبعدين؟ قالت: لم اجد بينهم من يناسبني. حسنا قولي لنا ماذا تريدين؟ وأي الرجال تطلبين؟ قالت اريد رجلا برقة التركي، وشجاعة الكردي، وفصاحة العرب وثقافة الفرس وحكمة الهنود. قالت لها: يا بنيتي لو وجد في البلد رجل يجمع كل هذه الصفات لتزوجته انا ولم ابق مع هذا الحمار والدك؟

هذه حكاياتنا. اين نجد مثل هذا الرجل؟ الحاكم العادل العاقل والزاهد؟ كتبت وياما كتبت عن قدرة العراقيين على تبني الديمقراطية واهميتها في اعادة بناء البلاد. لكنني اريد ان اتصارح. لم اعد واثقا وانا اسمع كل هذه المهاترات والمحسوبيات والنفعيات، والخيانة بالنسبة لأحد الفرق. لا ادري لماذا يتضعضع ايماني كلما ألتقي بالمثقفين والمفكرين العرب، فلا املك غير ان اتمثل بما قاله ابو الطيب:

ألا ليت شعري هل اقول قصيدة

لا اشتكي فيها ولا اتعذب؟

ما نحن بحاجة اليه رجل من طراز اتاتورك بدون شوفينيته، يضع اللبنات الاولى لبناء الديمقراطية المرحلية. فالاجراءات المطلوبة حقا، يعجز الناخبون عن استيعابها والمنتخبون عن تبنيها بشجاعة واخلاص. ربما يتضح ان تجربة تركيا في التحول للاتينية اعطت على المدى البعيد نتائج افضل في مكافحة الأمية واستعمال الالكترونيات ونشر التعليم والمعلومات. اقول مثل ذلك عن تبسيط النحو واللغة. وماذا عن التجربة الصينية في تحديد النسل بالنسبة لمصر؟ ماذا عن كف اليد عن الانشغال بالمسألة الفلسطينية وترك امرها لأهلها؟ ومكافحة الفساد بتقليص ظل الدولة وتشريع من اين لك هذا؟ هل سيحل البرلمان كل ذلك ويتجاوز قول من قال«حاميها حراميها»؟

اشك في ذلك. لدينا تقاليد واعراف وتراث، نقف في وجه اي اصلاح جذري. حتى حرية التفكير والقول التي استمتع بها السلف افقدنا اياها مفكرونا ومثقفونا المعاصرون.