الزناتي وزاد الخير

TT

حتى لوعقدوا في تونس مئة قمة عربية وأجلوا مئة أخرى تظل الخضراء مرتبطة في الذهن بالزناتي خليفة ودياب بن غانم في حالة الخلافات والحروب وبسعدى ومرعي في حالة الوفاق والوئام حيث يبرعم الحب في القلوب النضرة الشابة بينما الشيوخ يتعاركون، اما نشيد القمم فهو دون منازع من ( ناطورة المفاتيح) حيث تغني فيروز:

شو بحكيلك عامملكة الهوى

اللي بيعلق فيها ما ألو دوا

والسبب في اختيار هذا النشيد لهذه المرحلة بالذات ـ غير عدم وجود الدواء ـ ان حديث الاصلاح يعلو على اي حديث آخر وهذا يقتضي حسب زاد الخير بطلة تلك المسرحية السياسية تبدل الاحوال وتبادل المواقع بين الداعين للاصلاح من حكام ومحكومين: بتكون حاكم بتصير محكوم

بتكون ظالم بتصير مظلوم

والظالم بيرضى وبيرضى المظلوم

والحاكم عابابه يستعطف المحكوم

ولم تصل الامور الى درجة الاستعطاف طبعا لكن الحرج الذي نراه في البيانات والاحمرار الذي يعلو الوجوه يجعلنا نهمل مقطع ـ بلا سيرته ـ من الناطورة ونخالفها في التشاؤم لنقفز منه الى التفاؤل المجاني أو العبثي.

فلأول مرة في التاريخ العربي الحديث نرى سياسيين عربا يعترفون بخـــلافاتهم علنا ولا يكنسون الغبار ويضــــعونه تحــت السجادة الحمراء ثم يقفون فوقها يبتسمون وبراءة الاطفال في عيونهم وكأن كل واحد منهم يذهب لحضورحفل زفاف ابنه البكر لا يعكر صفو مزاجه معكر.

والظاهر انه مضى وانقضى الى الابد زمن القاسم المشترك الاعظم وبيان ادانة اسرائيل والثناء على التضامن العربي ووقوف الرئيس عرفات على بوابة كل قمة ـ باستثناء بيروت ـ ليقول للكاميرات مبتسما: يا جبل ما يهزك ريح.

الريح هذه الايام اقوى من الجبل، وعرفات محاصر في مقره بعد ان اقتنع عمليا انه وشعبه في رباط الى يوم الدين وبيت العروبة يتهاوى بهدوء وروية، وهو يتقطر حكمة ورصانة بينما عمرو موسى يتظاهر بالعكس ويحاول ان يسنده ونفسه كما اظهرت صوره من تونس الخضراء بلد الزناتي وزين الدين ان يهدمه قبل غيره كي لا يعطي فرصة للآخرين ليقولوا: بيدي لا بيد عمرو.

لقد حمّلنا دوما القمم العربية فوق طاقاتها وطالبناها بما لا طاقة لها به مع انها وبالتفسير الفيروزي ايضا :

لا تعجبي من سقمي

صحتي هي العجب

وقد حان الوقت لنقلب هذه الصفحة ونفتح أخرى نراهن فيها على القواعد والقمم معا وليس على القمم وحدها، فالتغيير ومهما كان شكله وحجمه يبدأ من ارادة جماعية أظن انها ولدت وبدأت تنتشر بزخم وقوة، وأول نتائجها ان القمم ما عادت تستطيع اخفاء خلافاتها، ولا ان تقول للقواعد كما كانت تفعل في الماضي: كل شيء على ما يرام وكل الاحداث تحت السيطرة الأكيدة.