لن نسمح للمكر الفرنسي بإبعادنا عن ليبيا

TT

هبت فرنسا مسرعة لاغتنام ما رأته فرصة سانحة لاستئناف علاقاتها التجارية مع ليبيا، مستغلة ما أعلنه القائد الليبي معمر القذافي من انفتاح على الغرب. وقد قام وفد ضم 71 من اصحاب الأعمال الفرنسيين، بقيادة الوزير الفرنسي فرانسوا لوس، واجتمع لمدة ثلاثة ايام مع كبار المسؤولين الليبيين لإبرام اتفاقيات تجارية واستثمارية. وقد توصل الجميع إلى اتفاق لحل النزاعات حول العقود الفرنسية التي أوقفتها العقوبات التجارية التي فرضتها الامم المتحدة على ليبيا.

ولا يستطيع وفد تجاري اميركي أن يذهب إلى ليبيا حتى ترفع الولايات المتحدة مقاطعتها التجارية لتلك البلاد. ولا يمكن أن توصف التطورات التي حدثت خلال الاشهر الثلاثة الماضية في العلاقات بين الولايات المتحدة وليبيا، إلا بكونها هائلة. وقد قام وفدان من الكونغرس الاميركي بمخاطبة مؤتمر اللجان الشعبية بسرت، خلال الشهر الحالي، من دون مقاطعة أو رقيب. وكانت تلك هي المرة الأولى التي تفتح فيها ليبيا مؤتمرها لأعضاء من الكونغرس مع السماح لهم بالحديث عن القيم الأميركية مثل الشفافية واقتصاد السوق الحر، والحكومة المنتخبة الممثلة لشعبها، وكانت تلك هي البداية.

في يوم 6 مارس (آذار)، شحن الخبراء البريطانيون والأميركيون آخر معدات الأسلحة النووية الليبية على ظهر سفينة نقل متجهة إلى الولايات المتحدة، وكانت تلك خاتمة ثلاثة أشهر من التعاون غير العادي من جانب ليبيا في التخلص من برنامجها السري لتخصيب اليورانيوم من اجل صناعة سلاح نووي. امتدحت الولايات المتحدة وبريطانيا نزع السلاح الليبي الكامل والمشهود. وقد توقفت تماما المصانع التي كان يعمل فيها العلماء الليبيون قبل ستة أشهر فقط لتخصيب اليورانيوم، وجاء ذلك مباشرة بعد الإعلان المفاجئ للزعيم القذافي، في 19 ديسمبر (كانون الأول) أنه تخلى عن دعم الإرهاب وقرر التخلص من برنامجه النووي الذي كان محاطا بالسرية.

ويمكننا القول ان الليبيين نفذوا التزاماتهم بصورة كاملة وبدون استثناء، وتحملوا المسؤولية عن افعال موظفيهم في ديسمبر 1988 عندما اسقطوا طائرة بان أم الرحلة 103 فوق قرية لوكيربي الاسكتلندية، وطائرة يو تي إيه الرحلة 772 في سبتمبر (ايلول) 1989، ودفعوا تعويضات لذوي الضحايا، وتخلصوا من اسلحة الدمار الشامل التي يملكونها ودعوا الولايات المتحدة وبريطانيا والوكالة الدولية للطاقة الذرية ومنظمة حظر الاسلحة الكيماوية، للتأكد من ان ليبيا لم يعد لديها شيء من هذه الاسلحة. قالت بولا دي ستر، مساعدة وزير الخارجية للتحقق والتجاوب: «الوضع حتى الآن مدهش تماما».

وكان وليام بيرنز كبير خبراء الشرق الاوسط بوزارة الخارجية، قد أشار أمام لجنة الشؤون الدولية بمجلس النواب، إلى منهج يقوم على «الخطوات المتبادلة»، يؤدي في نهايته، إلى إقامة مكتب تنسيق وارتباط بليبيا، وليس سفارة كاملة، في نهاية هذا العام. ومع أن استجابة ليبيا الكاملة يجب التحقق منها، فإن موقفا أميركيا يتميز بالحذر الشديد سيكون بردا وسلاما على الفرنسيين.

قال لي النائب الجمهوري كورت ويلدون، من بنسلفانيا، بعد أن ألتقى بالزعيم القذافي:

«أقول هذا للأميركيين: لا تسمحوا لفرنسا بأن تسبقنا في العودة إلى ليبيا، فنحن لن نستغل الشعب الليبي كما يفعل الفرنسيون».

ويعتقد المستر ويلدون وغيره من أعضاء الكونغرس الذين زاروا ليبيا، ومن ضمنهم النائب توم لانتون من كاليفورنيا المعروف بمواقفه المنافحة عن حقوق الإنسان، وجوزيف بيدن من ديلاوير، وكلاهما من الحزب الديمقراطي، ان انفتاح ليبيا على الغرب يمثل فرصة تاريخية بالنسبة للولايات المتحدة، وأنها يمكن أن تكون مثالا لدولة رغبت في العودة إلى المجتمع الدولي. وقد اوضح المستر بيرنز أن الولايات المتحدة ستثير القضايا التي عبر عنها الكونغرس، بما في ذلك خروقات حقوق الإنسان والشفافية السياسية والاقتصادية، وقال إن هذه قضايا هامة، ليس فقط بالنسبة للولايات المتحدة بل كذلك لليبيين الساعين لتحقيق الحرية والعدالة. ولكن صوت أميركا لن يكون مسموعا إذا لم نكن حاضرين في الساحة. ومن المهم ان نواصل ضغوطنا وأن نطلب من الليبيين الاستجابة، ولكن من المهم كذلك أن نكافئ ليبيا عن طريق التجارة وعن طريق الوجود الدبلوماسي الأميركي الظاهر للعيان.

* أحد كبار الكتاب بمجلة «نيوز» وقد كتب مقالته هذه من طرابلس الغرب، لخدمة «واشنطن بوست» و «لوس أنجليس تايمز»