الطائفية في العراق تنزل إلى الشارع!

TT

كذبة كبيرة القول بان العراق غير مهدد بخطر الصراع الطائفي.

والكذبة الاكبر نفي وجود الطائفية، فكرا وممارسة، في العراق.

والاكثر ترديدا لهاتين الكذبتين هم اكبر الطائفيين. وهم يفعلون هذا في مسعى غير موفّق للتعمية على طائفيتهم، تماما كما يسعى مرتكبو الاجرام الى التمويه والتضليل والتستر على جرائمهم.

الطائفية كانت دائما موجودة في العراق. بيد انها ظلت في الماضي البعيد محصورة في اوساط ضيقة، هي المؤسسات والمرجعيات الدينية الشيعية والسنية على السواء، (كان هناك العديد من الاستثناءات، فبعض الشخصيات الدينية المرموقة كانت رموزا وطنية من ارفع طراز من امثال محمد جعفر ابو التمن ومحمد رضا الشبيبي وعبد الكريم الجزائري، والوطنية في بلد كالعراق هي بالضرورة غير طائفية فيما الطائفية مناهضة تماما للوطنية).

لم تستطع الطائفية ان تخرج من اوساطها الضيقة الى الشارع، ربما بسبب حيوية الحركة الوطنية العراقية في النصف الاول من القرن الماضي. لكنها منذ منتصف القرن اخذت بعدا سياسيا مع تشكيل الاحزاب الدينية التي قامت على اسس طائفية (حزب التحرير وحزب الاخوان المسلمين السنيان اولا ثم حزب الدعوة الشيعي).

ومع هذا لم تستطع الاحزاب الدينية ان تكوّن لها قاعدة ذات شأن بين العراقيين الذين اظهروا تمسكا قويا بهويتهم الوطنية، ربما لادراكهم طبيعة مجتمعهم ذي الاعراق والاديان والطوائف المتعددة. لكن منذ العام 1963 بدأت الامور على هذا الصعيد تتغير، فانقلاب شباط (فبراير) البعثي ـ الناصري وتوابعه التي استمرت حتى اطاحة نظام صدام حسين منذ عام، دشنت عهد التصفية الدموية للحركة الوطنية والممارسة الطائفية على مستوى الدولة. وعمّقت «الصحوة الاسلامية» التي كانت الثورة الايرانية احدى تجلياتها من الظاهرة الطائفية في العراق، كما في بلدان اخرى، وتردى العمل السياسي الى مستويات وضيعة لم نألفها من قبل.

والان، بعد اطاحة نظام صدام، نلحظ تفاقما في الممارسة الطائفية، خصوصا من الاحزاب وبعض المرجعيات الشيعية مستفيدة من دعم ايراني سابق ولاحق مالي وسياسي وتسليحي واستخباراتي. فقد انشئت ميليشيات مسلحة، علنية وسرية، بذريعة حفظ الامن والنظام المفقودين، بيد ان هذه الميليشيات أخذت القانون بايديها وراحت تعمل على فرض حكم هذه الاحزاب والمرجعيات (المتنافسة والمتصارعة في ما بينها هي ايضا) على نطاق المدن والقرى والاحياء السكنية، معتبرة المجتمع كله تابعا لطائفتها بل لحزبها او مرجعيتها. وفي هذا الاطار صودرت مساجد للسنة في مدن ذات غالبية شيعية وحورب ابناء ديانات اخرى في ارزاقهم.

ومن اسوأ الممارسات الطائفية التي شهدناها أخيرا هو ان عددا من الوزراء المنتمين الى احزاب شيعية اخذ يحول وزارته الى مؤسسة طائفية، بل حزبية، فالموظفون والعمال الجدد، بمن فيهم الذين كانوا قد فصلوا في عهد صدام لاسباب سياسية، لا بد ان يكونوا شيعة، بل لا بد ان تكون عرائض طلبات تعيينهم مرفقة بتزكية من حزبه او احزاب قريبة، لكي يحصلوا على الوظائف المطلوبة، فيما بدأ البعض يفرض ،مباشرة او مداورة، لبس زي معين والقيام بممارسات معينة لا علاقة لها بطبيعة العمل المؤدى.

الان فقط.. عشية الانتقال المفترض للعراق الى العهد الديمقراطي تتسابق الاحزاب وبعض المرجعيات الدينية، خصوصا الشيعية، على اخراج طائفيتها الى الشارع وشق المجتمع العراقي على اساس طائفي. وفي هذا ،كما يعرف العقلاء، بل حتى انصاف العقلاء، خطر عظيم على الشعب العراقي من واجب الوطنيين العراقيين التصدي له بعزم وحزم لإنقاذ بلادهم من هوة سحيقة يمكن ان تندفع اليها رغم انفها، ربما تكون اكثر هلاكا من الهوة التي القى صدام حسين العراق فيها.

[email protected]