رأي العراقيين في العراق

TT

وفقا للاستبيان الذي اجرته هيئة الاذاعة البريطانية، ومؤسسات اذاعية اخرى، لم يظهر هناك خلاف بين العراقيين على ان الوضع الأمني محل شكواهم، وان الاستقرار يمثل مطلبهم الأول. وهذه الحقيقة ليست في حاجة الى استطلاع مع توارد أنباء المواجهات الأمنية اليومية.

لكن هذه ليست كل القصة وفقا للأغلبية العراقية التي اعتبرت ان الوضع، رغم المواجهات، يظل اليوم افضل مما كان عليه في الماضي عندما كانت تجوب المدن والاحياء فرق الأمن تبحث عن وجبات من المساجين او من سيرسل للاعدام باسم الهروب من الواجب، او انتقاد النظام، او التفكير في السفر. وهذا رأي نحو ثلثي الذين استُطلعت آراءهم والذين وصفوا الوضع الحاضر بانه أفضل مما كان عليه قبل الحرب، خاصة مع انتهاء حالة الشح الذي عانت منه الاسواق العراقية عشرين عاما، بل لم يتردد نحو نصف العراقيين من اعتبار الحرب ضرورة للوصول الى هذه النتيجة الايجابية، في حين رفضها نصف آخر.

لكن رغم ما مر به العراقيون، تفوق حسهم الوطني حيث لا يزال يعلو على الرؤى الضيقة لبعض الساسة الذين يروجون للانفصال او الطائفية. فقد اعتبر نحو ثمانين في المائة ان وحدة البلاد ضرورية. ورغم الخوف من قيام دولة دينية في العراق، فقد أيد فقط 29 في المائة من المستفتين هذا التوجه. وهذا الاستبيان مشابه لاستطلاعات مماثلة سبقته تؤكد على نفس التصورات العراقية التي تختلف مع ما يطرحه بعضنا من الخارج. عام واحد مر على الحرب كأنه عشرة اعوام لكثرة احداثه المذهلة، والتي لا ندري في أي اتجاه ستسير. بالنسبة للعراقيين عالمهم عالم جديد مختلف لا يشبه العراق الذي نتحدث عنه نظريا. كان همهم التخلص عمليا من عبء نظام في غاية القسوة دون اعتبار لطبيعة البديل في الوقت الراهن، وهذا ما يجعل العراقي يحكم على الأحداث وفق ما سقط من حمل ثقيل.

اما المعلقون العرب فقد اصروا على اعتبار الرؤية العراقية هي نفسها العربية الأخرى، والحقيقة انها ليست كذلك، على الأقل ليس في وقتنا الآن. فبلادهم مرت بحروب عديدة وعاشت تحت حكم بوليسي حديدي اختصر حياة الناس وحاصرها في قضيتهم الذاتية بعيدا عن محيطهم العربي. ولهذا يبدو اننا نتحدث عن العراق الجديد بعقلين مختلفين; واحد عربي ينطلق من مشاكل المنطقة، والثاني عراقي يعكس حاجته وطموحاته المحلية.

لكن لا يمكن ان نتجاوز العراقيين فنتحدث عنهم بالنيابة، او نزوّر مواقفهم، مدعين ان موقفنا السياسي وقضايانا تطابق مواقفهم وقضاياهم بعد اربعين عاما عاشها العراقيون في عالم مختلف تماما. ولا أتصور ان العراقيين يريدون النوم مع الاحتلال، ولا التعايش مع مجاهدي القاعدة أيضا، انما همهم الرئيسي ترميم حياتهم إثر كابوس مرعب طويل، وبعد ذلك لكل حادث حديث.