هل أخطأت واشنطن في رهانها الديمقراطي؟

TT

حين نتابع ما أثير من ضجيج واعتراض على قانون إدارة الدولة العراقية او دستورها المؤقت، وما قدمه المعترضون من حجج، واللغة الخطابية التي تصدروا بها متسلحين بحق التعبير الذي منحتهم اياه الولايات المتحدة، وكان ثمنه ارواحا بريئة اهدرت، سواء بالحرب او بفعل العمليات الارهابية المتواصلة حتى اليوم، ندرك كم هي عسيرة مهمة سلطة التحالف، وأي مأزق حُشر فيه الحاكم المدني بول بريمر وهو يحاول التوليف بين تيارات متناقضة يمثلها اعضاء مجلس الحكم.

وكما هو واضح فإن تعبيرات عدم الرضا عن القانون صدرت عن بعض الاعضاء الشيعة في المجلس، لكون القانون لا يلبي مطلبهم بأن تكون الشريعة الاسلامية المصدر الوحيد او الرئيسي للتشريع في العراق، ولأنهم ايضا متخوفون مما سيسفر عنه تطبيق الفقرة (ج) من المادة (61) التي تقر لثلاث محافظات بحق الاعتراض على الدستور، وهذا ما يتمسك به الاكراد كضمانة امام اي احتمال للتجاوز على حقوقهم مستقبلا.

لا شك ان قانون ادارة الدولة، صدر على وجه السرعة وبعد خلافات بين اطراف الحكم بدت مستعصية، ولا يمكن اعتباره متكاملا، لكن الثغرة التي فتحتها الفقرة (ج)، يمكن ان يستفيد منها كل الفرقاء وليس الكرد وحدهم. وهذا ما اشار اليه عضو مجلس الحكم موفق الربيعي، الذي اشتهر بتصريحاته القطعية، في حديثه لـ«الشرق الاوسط» حين تساءل: ماذا لو قررت محافظات النجف وكربلاء والديوانية تطبيق الشريعة الاسلامية، هل يتوقف الدستور؟

والحق ان هذه الالتفاتة تثير شكوكا لا بد من مواجهتها بشأن الخيار الفيدرالي. فهذا الحل المتطور لأسلوب الحكم في بلد متعدد القوميات والاديان والمذاهب، يضمن استقلالية في ادارة المحافظات وسن تشريعاتها الخاصة، وظروف العراق كما نعلمها، افرزت قيادات الامر الواقع، وهذه وغيرها تتذرع بالديمقراطية دون ثقافة حقيقية بمضمونها الاخلاقي المتعلق باحترام الآراء وتقبلها في دائرة الحوار، على اساس ان العراق بلد الجميع وليس ارثا لمن يحسنون تنظيم انفسهم ويتلقون الدعم من جهات معينة. واذا تمكنت هذه القيادات في محافظاتها فكيف نضمن ان يتمتع المواطنون فيها بحقوقهم الدستورية الكاملة. وما يثير القلق اكثر، هو موقع النساء (الأغلبية في العراق)، كيف نضمن لهن حقوقهن في وسط تغلب عليه التوجهات المتشددة، وتثور فيه الاعتراضات حتى على تعيين امرأة واحدة في مجال القضاء؟ وفي هذا الصدد اشير الى ما صرحت به الدكتورة رجاء الخزاعي (عضو مجلس الحكم) التي التقت بمجموعة من العراقيات والعراقيين في لندن في 17 مارس (آذار) الحالي، فقد اوضحت ان السيدة نضال جريو التي اجبرت على الاستقالة من منصبها كقاضية في مدينة النجف، كانت قد التقت بآية الله علي السيستاني، وانه لم يكن معارضا لتوليها منصبها. وتحدثت الخزاعي ايضا عن لقائها بسماحته، وكيف وجدته على درجة عالية من الثقافة والفهم، ما يعني ان الكثير مما سمعناه عن مواقفه وتصريحاته لا اساس له من الصحة. يؤكد ذلك ما تناقلته الصحف العربية من تصريحات المفوض الدولي الاخضر الابراهيمي، الذي نفى ان يكون السيستاني قد اعترض على دور الامم المتحدة في العراق، بل ذكر انه (السيستاني) ارسل الى الامين العام للامم المتحدة كوفي انان رسالة يؤكد فيها تأييده لدور فاعل للمنظمة الدولية في العراق، اعقب ذلك اطلاق تصريحات اخرى تنفي وجود مثل هذه الرسالة.

ويبدو ان هناك جهات كثيرة تتحدث باسم السيستاني دون ان تستأذنه، وهذا أمر خطير، فكل من ينشد مصلحة خاصة في الحكم ويطمح الى تهميش دور الآخرين ويدفع برأيه الى الصدارة، يتحجج بموقف السيستاني .

الناس في العراق، وبخاصة من مريدي السيستاني، في حالة من القلق الدائم، يستثمرها محترفو السياسة لتسويق آرائهم. والمريدون حريصون من ناحية على تقليد سماحته، ومن ناحية اخرى لا يعرفون رأيه الحقيقي في كثير من الامور.

ان الخوف كل الخوف ممن يوظفون الدين لخدمة اهدافهم القريبة والبعيدة، ويسعون الى ضرب مكانة النساء ـ شقائق الرجال ـ كما يرددون دائما دون استيعاب حقيقي لهذا المعنى. وفي هذا تقول رجاء الخزاعي: انها اجتازت معاناة قاسية وهي تناضل من اجل الغاء القرار المتعسف (137) الذي صدر في العام الماضي عن مجلس الحكم وكاد يقضي على حقوق النساء واستقرار الاسرة العراقية، لولا انها نجحت في اقناع غالبية اعضاء المجلس بإلغائه والعودة الى قانون الاحوال الشخصية رقم 188 المعدل لعام 1959، لكنها نوهت الى حقيقة مؤسفة، اذ ان الاعضاء الخمسة (من بين 25) في المجلس ممن اعترضوا على الالغاء ضموا بينهم امرأة يبدو انها رجحت ولاءها الحزبي على مكانتها كامرأة، كما عبرت عن فخرها بالتوصل الى تخصيص نسبة %25 من المقاعد للنساء في البرلمان القادم.

ان موقف الخزاعي ليحتسب لها جرأة تستحق عليها الثناء، فهي تعمل في وسط رافض لها، باستثناء قلة من الاعضاء الذين يؤيدون بالفعل مشاركة المرأة في القرار السياسي.

لم تكن تلك المتحدثة القادمة من العراق، التي تتسلم بأريحية رسائل التهديد بسبب مواقفها الشجاعة، معتادة على العمل السياسي، ولم تعمل في احزاب المعارضة التي تمرست بالدفاع عن مواقعها، سواء كان ذلك في مؤتمر لندن الكبير، قبل الحرب، او في اروقة مجلس الحكم، لكنها تميزت بالوضوح والبساطة. وعندما واجهها بعض الحضور بانتقادهم لبعض اعضاء مجلس الحكم الذين يستغلون مناصبهم في جلب اقربائهم ومحاسيبهم، قالت انها ستنقل هذه الانتقادات الى زملائها، ومازحت الحضور بأنها الخزاعية الوحيدة وليس لديها اقارب في السلطة، واشارت الى ان هناك اخطاء كثيرة وان طموحاتها في الاصلاح واعادة البناء كبيرة، لكن الادارة المدنية الاميركية تحتج دائما بقلة الامكانات المادية وتؤجل. وفي ردها على الاعتراضات المتعلقة بالفقرة (ج) من المادة (61) من قانون ادارة الدولة ابدت استغرابها من خوف البعض من المميزات التي يمكن ان يحصل عليها الكرد في القانون، وأكدت على معاني الاخوة بدلا من الريبة، ورأت ان الاشقاء الكرد ابتعدوا لسنوات طويلة عن الوطن، ثم عادوا اليه، ولا بد من ان يحتويهم، وان ينالوا حقوقهم، وقد عولت كثيرا على تاريخ الثلاثين من يونيو (حزيران) كموعد لنقل السلطة الى العراقيين، فهل سيكون اعضاء مجلس الحكم في مستوى هذا الاستحقاق الكبير، ويتعالون على مطامحهم في الحصول على حصة اكبر من مغانم السلطة؟

* كاتبة عراقية