زوايا تونسية (5)

TT

بعد اغتيال الشيخ احمد ياسين صدرت «الانوار» بعنوان يقول ان لا قمة عربية، ثم صدر نفي للنبأ من كل الامكنة، وفاضت تونس بالمسؤولين والصحافيين. وجاء جميع وزراء الخارجية. وقبل ليلة من بدء القمة اعلن الغاؤها، وبدأت اقرأ التفسيرات والآراء، بل ما يسند من اقوال وتصرفات الى الأمين العام والى الوزراء وحتى الى الرئيس التونسي. والواقع ان اكثرية الاسباب المعطاة، منفردة او مجتمعة، صحيحة الى حد بعيد، وبعضها خيالي، وبعض ثالث له علاقة بالمعارك التي يخوضها الزملاء الاعزاء لحساب الرؤساء والعواصم، وهي معارك مستمرة.

وعندما غادرت تونس مساء الثلثاء كانت صحافة العاصمة لا تزال تطالب بالقمة ولا تزال تصر على ان الرئيس زين العابدين بن علي كان حريصا عليها، كما لا تزال تنشر برقيات التأييد التي تأتيه من الجمعيات والنقابات المدنية. لكن فيما ودعت تونس وزراء الخارجية على عجل، اتجهوا الى القاهرة على عجل ايضا. ومن ابرز القادمين الذين التقاهم مبارك شخصيا الامير سعود الفيصل والاستاذ فاروق الشرع. وثمة قمة اخرى تعد ولكن اين؟ هل ينزع الحق بالقمة الدورية من تونس؟ هل تقبل الاغلبية العودة الى تونس بعدما صرف المضيف القمة في غضب؟ هل كان بن علي على حق في الاعتبار انه لم يتسلم القمة من رئيسها، الملك حمد بن عيسى؟ من يفتي في الامر؟ هل هناك حاجة الى مؤتمر آخر لوزراء الخارجية؟ هل هناك ضرورة حقا للقمة اذا كانت ستخرج بالبيان الباهت الذي وزع على الوزراء ولم يذع؟ هل الاصرار على القمة، في القاهرة او في تونس، سوف يخفف من مناخ الازمة ام سوف يزيد في الاستقطاب والمحاور، وسعي البعض الى النسف في اي حال؟

كانت قمة لا يريدها احد فانتهت قمة لا يريدها صاحبها. وقبل ان يذهب وزراء الخارجية الى تونس طلب الى اكثر من دولة «وسطية» ان تطالب بالتأجيل لكي لا تبدو المسألة موجهة الى تونس. وشعرت الدول الرئيسية ان الصراعات سوف تخيم على اللقاءات، ولذا من الافضل التأجيل، وفوتحت بالأمر دول مثل الكويت، لكن الفكرة طويت. ووصل الوزراء ليروا انفسهم امام جدول اعمال يبدأ بحضور معرض فرانكفورت للكتاب وينتهي بوضع المرأة في العالم العربي. وقد صرف الوزراء 5 ساعات في مناقشة مسألة المعرض، وتاهوا في مقترحات اصلاح الجامعة واقامة محكمة عدل عربية وادخال الدول الاعضاء في منطق الاتحاد الاوروبي، او في بداياته على الأقل.

وسألت وزيرا لامعا وهو يجول بناظريه في الفسحة امامنا، عم يبحث، فقال انه «يبحث عن مندوب جزر القمر». 22 دولة تبحث عن نفسها، وأمة مدعوة لأن تغير في دساتيرها ونظام حياتها ومجتمعاتها. والمشهد العام يبدو سورياليا لكثرة ما هو حقيقي. ويبدو خياليا لكثرة ما هو واقعي. الشعب في الخارج ينتظر معجزة والحقيقة في الداخل توزع نفسها على الوجوه المتعبة. وسألت وزيرا اصيب ببحة شديدة، ماذا حدث لصوته، فقال لي «لم احمله معي في اي حال».

ثمة ساعات طويلة صرفها وزراء الخارجية في معالجة ومصانعة جدول الاعمال، وثمة لحظات اخيرة حملت رئيس الدولة المضيفة على ان يبعث برسالة عاجلة الى وزير خارجيته وهو في قلب القاعة، فاذا بالرجل ينهض ويرتدي معطفه «بالمقلوب»، فينبهه الى ذلك زميل له.

وهكذا تنتهي قمة لم تولد وينتهي مخاض ليبدأ مخاضا آخر. والمخاض الذي بدأ اكثر صعوبة، وأكثر قسوة، والخلاف الكبير ليس حول نوعية المولود، بل حول القابلة.