الحب كمرض عقلي

TT

ذات جلسة لا بأس ان تسميها رومانسية على سبيل المجاز لأن معظم تلك الجلسات كانت تنتهي دوما بالبكاء، سألت ليلى قيس: هل صحيح انك جننت من أجلي كما تشيع امك؟ فقال:

قالت جننت على رأسي فقلت لها

الحب أعظم مما بالمجانين

الحب ليس يفيق الدهر صاحبه

وإنما يصرع المجنون في الحين

وبعد كل هذه القرون اكتشف العلم الحديث ان مجنون ليلى لم يكن يبالغ حين وضع الحب في مرتبة أعلى من الجنون، فها هو بروفيسور معتبر يضع خلاصة أبحاثه في كتاب «مرض الحب» الذي يصر فيه على ان الحب نوع من الأمراض العقلية، وللكتاب عنوان فرعي ينص من دون لبس على هذه الحقيقة love as mental illness .

والمؤلف هو الدكتور فرانك تاليس الذي لم يعتمد على ابحاثه وحدها، بل أيضا على ابحاث زملاء من جامعات كندا والولايات المتحدة اثبتت أبحاثهم الجينية والنفسية ان اعراض الحب مثل اعراض الأمراض العقلية وأن ما يصيب العشاق يعيشه ايضا بطرق اخرى المجانين ومدمنو المخدرات.

لقد أجرى هؤلاء ابحاثا على أدمغة العشاق والعاشقات اثناء النظر الى صور من يحبون فوجدوا في تلك اللحظة بالذات ان المناطق الاربع التي تتحرك بالدماغ هي ذات المناطق التي تتحرك عند متعاطي المخدرات والذين يعانون من عدم الاستقرار النفسي والعقلي.

وحسب تحليلات هذه العقليات الباردة فان عدم قدرة العاشق على رؤية سلبيات الحبيب وتحويله الى هاجس لا ينقطع وفقدان النوم والقدرة على التمييز حين يتعلق الامر به، ما هو إلا شكل من اشكال المعاناة العقلية التي تصل في الكثير من حالاتها الى مستوى المرض الذي يقتضي البحث عن علاج.

ولأن كل شيء صار يتعلق بالطبيعة الجينية، يغوص هؤلاء بعد علم النفس في الهندسة الوراثية لتحليل حركة الجينيات ورغباتها ومسارها ويخبروننا بأن من سنحبه في شبابنا معروف الوصف والرائحة في خرائطنا الجينية منذ الطفولة وغالبا ما يكون قريب الشبه بالأم او الأب، فكثير من الفتيات يواصلن البحث الى ان يعثرن على رائحة جينية شبيهة برائحة الأب الذي تعلقن به.

وهم في هذا المجال يقدمون الأنف على العين والرائحة على النظر اثناء الوقوع في الحب، مما يقتضي تغيير مصطلح «الحب من اول نظرة» الى «الحب من اول شمة»، ففي العالم الحيواني ـ والانسان حيوان ناطق ـ تكون الرائحة هي محرك الحب ومحرض الجنس والبوصلة التي توجه الغريزة التي يربطها الباحثون بقانوني الخوف والحفاظ على النوع الذي يحدد معظم سلوكيات الحب والرغبات الحسية.

ومع هذه القرائن كلها التي تربط الحب بالمخدرات والأمراض العقلية والجينات التي تحكمنا ولا نحكمها ما يزال الذين خبروا طعم الحب يسيرون على خطى قيس ولا يمانعون من الاستمرار فيه، حتى وإن كان جنونا مثبتا، فهذا النوع من الجنون أحلى وألذ من عقل بارد يولد ويموت من دون ان يجرب صاحبه لحظة واحدة من تلك اللحظات التي تكثف كل متع العالم في قبلة أو شمة او لمسة او مجرد نظرة تقود من تختاره لملكوت جنونها الى جنان شاسعة من الدفء والإثارة والحنان.