انقراض سادس كبير

TT

الاثنين الماضي أطلق العلماء تحذيرا خطيرا ضاع في متاهة الاخبار اليومية عن الارهاب والانتخابات الاميركية وفشل القمة العربية في الانعقاد في تونس. التقرير هذا يقول انه أمكن رصد مساحات واسعة من البحار والمحيطات التي باتت خالية من الاوكسجين، أو شبه خالية، وهذا يعني أن كل أوجه الحياة في مثل هذه المناطق من أسماك وثمار بحر ونبات قد ماتت، أو في سبيلها الى الموت.

والاهم من ذلك، ان نضوب الاوكسجين لوحظ في مناطق المياه الضحلة المتاخمة للسواحل حيث تكثر الاسماك، وحيث تتوالد وتضع بيضها. انها مأساة ما بعدها مأساة خاصة اذا تصورنا عالما من دون سمك، تلك المادة الاساسية التي لا بد منها في طبقنا الغذائي.

واسباب ذلك عديدة، لعل أهمها استخدام مبيدات الحشرات والمخصبات الكيماوية باسراف وبشكل غير مسؤول.

اذن، البشر هم أول من يستحق اللوم في هذه الكارثة التي لم يعرف التاريخ سابقة لها. ولعل رقعة المياه الواسعة الواقعة قبالة السواحل الاميركية الجنوبية قرب ولاية فلوريدا هي مثال حي على هذه الظاهرة الجديدة. فقد تعرضت منذ قرابة عامين لزوال الاوكسجين من مياهها، في حين كانت تشكل في السابق أكبر مصدر للاسماك ومادة البروتين الممتازة المستخرجة منها.

وخلال العقد الاخير من الزمن توالت العديد من التقارير أيضا التي حذرت العالم من نضوب الاسماك في البحار والمحيطات بسبب أساليب الصيد الجائرة والتلوث حتى أن أحد هذه التقارير توقع زوال الاسماك البحرية من قوائم الطعام حتى قبل أن تبرز لنا مسألة نضوب الاوكسجين من مياه البحر.

ربما يكمن الحل في مزارع الاسماك لتعويض النقص، لكن حتى لهذا الاسلوب الجديد المبتكر مشاكله وصعوباته وتعقيداته التي بدأت تبرز الى السطح بشكل أو بآخر.

غير أن المسألة لم تتوقف عند هذا الحد، فقد نشرت مجلة «ساينس» بحثا للعالم جيرمي ثوماس وبعض رفاقه العاملين في المجلس الوطني البريطاني للابحاث البيئية دعموا فيه النظرية القائلة إن العالم في طريقه الآن الى سادس انقراض كبير للاحياء فيه، أما عمليات الانقراض الخمس السابقة فقد ردت اسبابها الى عوامل طبيعية مثل العصر الجليدي والنيازك والبراكين. أما الانقراض الحالي فمرده البشر، كما هي العادة في كل أوجه الخراب والدمار الاخرى التي شرعت تتوالى حاليا بسرعة على كوكبنا، منها التسخين الحراري الذي ساهم بقوة في تغيير المناخ والتلوث والتردي البيئي التي قضت على الوسط المعيشي لكثير من الحيوانات والنباتات على سطح الارض.

لقد اعتمدت الدراسة على معلومات جمعها 20 ألف متطوع قاموا بمسح جميع الاراضي البريطانية والاسكتلندية ومناطق ويلز منذ الستينات.

المهم أن نتائج البحث، أظهرت أنه خلال الـ 20 سنة المنصرمة هبطت أعداد الفراش المستوطن في بريطانيا بنسبة 71 في المائة، والطيور بنسبة 52 في المائة. اما النباتات فلم تكن أحسن حالا، فقد هبطت أعدادها وفصائلها بنسبة 28 في المائة خلال 40 سنة. والمثل البريطاني هذا صورة مصغرة طبق الاصل عما يحدث في العالم كله.

الى أين يسير العالم، لا أحد يدري؟

لكن المقلق فعلا هو سرعة هذا الهبوط والانقراض، كما يقول كريس ليهي العالم الطبيعي الاميركي الذي أشار الى انه بالرغم من بقاء نوع من التنوع الاحيائي على الارض اليوم، الا ان المضاعفات في المستقبل ستكون خطيرة، ولاسيما على صعيد التدهور البيئي، مما يضع مستقبل الانسان ذاته في موضع التساؤل.

بعبارة أخرى، فانه اذا كانت فصائل الحيوان والنبات معرضة الى الانقراض، فماذا يمنع الانسان نفسه من أن يسير في الاتجاه ذاته، وهو الذي لا يملك أي وسيلة من وسائل التحصين الذاتي، خاصة أن العالم كله دائرة بيئية واحدة تعتمد كل فصيلة على الاخرى في بقائها.

يبقى الاشارة الى أمر أخير، وهو قيام الانسان أيضا بالتلاعب بميزان الطبيعة عن طريق ادخال فصائل حيوانية ونباتية بطريق الخطأ الى مناطق لم تكن موجودة فيها أصلا، مما سبب في القضاء تماما على الفصائل المحلية الضعيفة التي لم تكن تملك اي وسيلة للدفاع عن ذاتها، وكانت النتيجة الكثير من الكوارث في استراليا وبعض الجزر في أقاصي الشرق الاقصى.

صورة قاتمة جدا اليس كذلك؟