أسلحة الدمار الشامل.. حين تصبح الحقيقة ضحية بيني وبين بوش ..!

TT

طالما سئلت عن قولي بأن العالم لم يعد مكانا آمنا أو بمنأى عن التطرف الاسلامي بسبب الحرب، ولكأن ذلك يناقض ما قاله الرئيس بوش بأن حملته، أو قل حربه على الارهاب، تجعل العالم آمنا ، وأقول هنا إن هذه لحظات غريبة كون الحقيقة قد أصبحت هي الضحية الأولى لهذين التقديرين ، كما قلت ذلك في كتابي. وأضيف هنا أن الحرب علمت الأسرة الدولية دروسا يجيء في مقدمتها أنه لا بد من طرح منظومة أسئلة قائمة والاجابة عليها وصولا الى ما يمكن أن نستخلصه من دروس.

الى ذلك وفي مقدمة الدروس التي قدمتها تلك الحرب أن الاستخبارات ضعيفة جدا ، وأن على أي معني بالأمر أو صانع قرار أن يتفحص ما تقوله الاستخبارات بعقل ناقد. ذلك لأن كل عقيدة الحرب الوقائية ارتاحت واستقرت وبنيت على معلومات استخباراتية ، وهذا ما جعل تلك العقيدة لا تزال غارقة في بعض المشاكل.

وإني لأجد نفسي مضطرا الى إيضاح أمر آخر هنا فيما يتعلق بأسلحة الدمار الشامل وقرار شن تلك الحرب، وأقول هنا بداية إننا وكمفتشين لم نكن قضاة أو محكمين لنقول بقيام حرب من عدمها لأن ذلك هو واجب مجلس الأمن ، ومع ذلك ، فقد عنت تقاريرنا شيئا لأغلبية أعضاء المجلس بدليل وضوح أنه لن يتخذ قرار شن الحرب أو يفوض جهة بالقيام بها ، لأن الذي حدث بعد ذلك هو أن أميركا وبريطانيا وصلتا الى رؤية بأن على المفتشين أن يعملوا لبعض الوقت وليس للأبد في ظل وضوح حقائق أخرى بينها أن هناك أسئلة كثيرة ولكن المفتشين لم يجدوا أجوبة لها.

ولا أذيع سرا هنا إذا قلت إنني ومن جانبي، والى واقعة غزو العراق بنحو شهرين، لم أكن لأقطع بوجود أسلحة دمار شامل أم لا ، ولكني ومع وجود الأميركيين والبريطانيين داخل العراق مع الغزو، وبحثهما عن الأسلحة، بل وتحدثهما الى الناس هناك، دعك من رصد جوائز لهم للإدلاء بمعلومات حولها، وكون العراقيين لم يعودوا خائفين من التحدث عنها، وعدم ظهور أي شيء، وقتها، أيقنت بأن لا وجود لأسلحة الدمار الشامل بالعراق، علما بأني لم أستبعد يوما وجودها الى ما قبل الحرب.

وعودة الى القضية، وعلى صعيد الحرب ، علينا أن نعترف أن أمر الحرب الوقائية وعقيدتها لم يعتمدا في تبريراتهما على وجود أسلحة دمار شامل فقط ، لأن للفعل الذي حدث بشن الحرب جذورا نفسية تعود الى 11 سبتمبر واستحقاقاته، ومن هنا كان ما شاهدناه في العراق بعد الحرب ، وكناتج لذلك البعد النفسي الأميركي، ذلك المزيج من الاذلال، والذي ولد بدوره مشاعر أخرى صعبة من الحقد والتهديد بإرهاب أكثر، دعك من كون العراق لم يعد مكانا آمنا اليوم فما بالك بكل العالم. أضف الى ذلك أنه قد صار لدينا اسطنبول ومدريد ، وكل ذلك لا يمكن له أن يحسب تقدما أو تأكيدا بأن العالم سيصبح آمنا. وأقول هنا إن علينا أن نتعامل مع الارهاب بحزم دون أن نغفل العوامل النفسية التي يولدها مثل ذلك الحزم.

في المقابل، وأرجوا أن لا نعتبر ذلك تناقضا في الطرح، ثمة منفعة كبرى ، مع اصراري على كون الحرب ليست مبررة ، في المجالات القانونية والسياسية، إذ أصبح بوسعنا الخروج الآن ببعض الاستنتاجات والدخول في عمليات التفريق الضرورية بين الايجابي والسلبي.

فعلى الصعيد الايجابي يمكن القول إن واحدا من أكثر الأنظمة دموية قد تم استئصاله، ولكن ذلك النظام لم يكن خطرا على جيرانه، ولا أعتقد أن أحدا قد ذهب في تقديره الى العكس، فيما عدا الاستثناء المحتمل والمتعلق بالكويت، لأن ذلك النظام كان مرعبا وقاهرا لشعبه. الى ذلك وبين القضايا ذات الصلة بالحرب على العراق، والتي كثيرا ما أثارها البعض، الوقوف مع تخوف ليبيا من سيناريو غزو العراق وما صاحبه من إذلال للعراق، ومن ثم قيام طرابلس بالكشف عن أسلحة الدمار الشامل لديها، ولكن ردي هنا ، هو أن علينا أن لا نقفز بالاستنتاجات لجهة القول إن العقيد القذافي قام بما قام به على خلفية ما حدث في العراق، وتقديري يذهب الى أن للأمر جذورا أخرى ، تتقدمها الممارسات والتمارين الدبلوماسية التي ظلت دائرة لوقت طويل، بل ان بوسع المرء أن يستدعي أمرا آخر مثل سياسة الاحتواء، باعتبار أن ليبيا كانت عرضة للعقوبات والعزلة لفترة طويلة، وهناك ذلك الجهد الشاق الذي بذله القذافي لحل قضية لوكربي من أجل إخراج بلاده من العزلة، وبالطبع فأنا لا استبعد هنا وجود ظلال لما حدث في العراق في مارس 2003، وإمكانية أن يكون ذلك قد شكل دفعة لليبيا لنزع سلاحها ، ولكن، وعلى صعيد إيران وكوريا الشمالية علينا أن نقرأ الأمر في سياقات مختلفة تتقدمها حقائق الاوضاع الجيوسياسية في هذين البلدين وهي جد مختلفة عن العراق.

وأخيرا وعلى صعيد الدروس الأخرى، أو قل ما هو سلبي، فقد سبق لأوروبا أن تنبأت بأن غزو العراق سيزيد من سوء قضية الارهاب، وذلك هو عين ما حدث، لأننا شهدنا ضمن تداعيات الحدث وفي بحر عام واحد فقط، مذابح ومآسي الدار البيضاء واسطنبول والمغرب، وأضيف هنا أن هناك شعورا بالاذلال في الشرق الأوسط وذلك في حد ذاته كفيل بخلق أرضية خطرة للإرهاب لأن الحزم الذي مورس مع طاغية مثل صدام حسين كان لا بد له أن يتزامن مع إرادة وتوجه معنيين بتسهيل وتطوير وترقية التنمية الاقتصادية في تلك المنطقة.

* رئيس فريق الأمم المتحدة للتفتيش عن اسلحة العراق والمقال مأخوذ من مقابلة أجراها معه ميخائيل سكافيداس مراسل «غلوبال فيوبوينت» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»