ورطة تونس.. المراوحة بين الفرصة والشدة..!

TT

قرأت أن كلمة «أزمة» يعبر عنها في الكتابة الصينية برسمين؛ أحدهما يرمز إلى الشدة، والثاني يرمز إلى الفرصة. والأزمة التي نعيشها لها كل مواصفات الشدة، ولعلها تنطوي أيضا على فرصة. فهل توجد فرصة؟ أغامر وأكاد أقول نعم.

وفي الأزمة الحالية اختلطت العناصر التي يثيرها السؤال حول إمكانية ترتيب أمثل لدواليب عملنا المشترك، مع تلك التي يثيرها سؤال الإصلاح في العالم العربي دولا ومجتمعات.

وأزمة جامعة الدول العربية نابعة ممن يكونونها، فهي ليست أداة فوقية تملي علي أعضائها ماذا يعملون وكيف يعملون. إنها منذ صياغتها في البدء، أداة محكومة بإرادات الأعضاء الذين يكونونها، كيف يكونون تكون، وما يستطيعونه تستطيع.

وفي العمل العربي المشترك ليس هناك مفر من أن تكون هناك حسابات خاصة بكل دولة، وبكل مجموعة من الدول. ويكون النسيج متينا إذا كانت هذه الحسابات الخاصة تؤلف في مجموعها حسابا مشتركا. وينفرط النسيج إذا كانت الحسابات متنافرة كما هو الشأن الآن.

أنا مع ما كتبه الزميل سمير عطا الله حين قال إننا لا نعرف السبب الحقيقي الفاصل في هذه القمة التي تقرر عقدها بمن حضر، وألغيت بمن غاب.

يصعب تصور أن السبب هو تغيب رئيس الدورة الحالية للقمة، مما عرض الرئيس القادم لأن يتسلم الرئاسة من وزير وليس من نظيره. أو أن كثرة الأوراق التي قدمت بعد أن درست أوراق من قبل وامتزجت في ورقة واحدة. أو أن السبب هو اختصار الاثنين وعشرين عضوا في ثلاثة منهم فقط. أو أنه من بين النواة الصلبة لم يكن هناك أحد من الشق المغربي.

في لحظة احتقان كان هناك سبب ما. وكل ما قد نسمعه من مبررات بعدية هو راجع إلى أمور سبقت ان تراكمت، وصنعت «حالة أزمة» هي بكل تأكيد ليست بنت يومها. حالة أزمة تكونت ونضجت و«اشتدت» دون أن يلوح ما ينبئ بأنها «ستنفرج» كما يبشرنا القول المأثور في تراثنا.

سيكون على ديبلوماسيينا أن يبتكروا مخارج ممكنة من ورطة تونس، كما فعلوا في نوازل أخرى سابقة، ولكن من المؤكد أنه على الدولة العربية وعلى المجتمع العربي أن يجدا المخرج من حالة الأزمة التي تعصف بكياناته واحدا واحدا، وتضرب مصداقيتنا كمجموعة في الصميم. مجموعة تمثل جسما معطوبا ومنهكا، وينم ـ رغم ذلك ـ عن الرغبة في التشبث بالحياة.

هناك خلافات في كل شيء; التحديث، الاندماج في الاقتصاد العالمي، تحديد وتيرة السير للالتحاق بركب المتقدمين. وهي خلافات تنم عن الحيرة.

وهذا من مواصفات الشدة، فماذا عن الفرصة؟ إن أمامنا طريقين لا ثالث لهما. أن نستمر فيما نحن فيه.

ومواصفات الحالة التي نحن فيها علي لسان كل من يدب في الشارع العربي، ومكتوبة بكل لغات العالم. والمصير في حالة الاستمرار معروف، وهو مزيد من التدهور، وتراكم عناصر الانحطاط ثم التلاشي.

أو أن نصحح أوضاعنا الداخلية بأيدينا، وأن نقدم فعلا على ما يتطلبه ضبط ساعاتنا مع توقيت العصر، ليس تجاوبا مع نصيحة يزجيها لنا خبير أو صديق، أو يفرضها علينا متربص، بل تلبية لمقتضيات لا مفر منها، يقتضيها الوعي بحدة الموقف وبضرورة تلافي النهاية المحتومة.

والوسيلة الأولية للتصحيح هي الإقرار بأن تدبير الشأن العام في بلداننا لم يعد من يقبل أن يستمر كما هو سائد حتى الآن. هناك في بلداننا جوع حقيقي للمشاركة، وهناك أعداد كبيرة من المؤهلين للمشاركة في صياغة القرارات وفي تطبيقها.

وهناك تطور عالمي حاسم جعل الكرة الأرضية بمجموعها بمثابة سوق واحدة، يجب أن تسودها قواعد متماثلة، ومفاهيم قابلة للترجمة من كل اللغات إلي كل اللغات، وقيم أساسية تتقاسمها الإنسانية المعاصرة، رجالا ونساء، فقراء وأغنياء.

والمجتمع الدولي، مهما كابرنا، ومهما اعتصمنا بخصوصية مزعومة فيما يخص قواعد التعامل بين الحاكمين والمحكومين، لا يعطي شهادة حسن السيرة إلا لمن يحتكم إلى تلك القواعد والقيم الأساسية المشتركة. وآن لنا أن نسلم بهذا وأن نرضخ صاغرين لتلك القواعد والقيم.

وهذه القواعد والقيم تقتضي أن تنبع الحكومات من صناديق الاقتراع، وأن تكون المجالس المنتخبة حرة وذات مصداقية لكي تكون ناجعة، وأن يكون هناك قضاء مستقل يطمئن إليه المواطنون والمستثمرون الأجانب، وأن يكون هناك قانون انتخابي فعال، ووسائل إعلام حرة، ومجتمع مدني مشارك، مع التشبع بحقوق الإنسان، وضمان حقوق مختلف الشرائح المجتمعية، دون استبداد أو عنصرية أو لا تسامح متبادل.

إن الإصلاح المفروض من الخارج لن يكون إلا مثل ذلك الديك الرومي المصنوع من البلاستيك الذي احتوته الصينية التي ظهر الرئيس الأميركي وهو يحملها في لقائه ببغداد مع جنوده في يوم الشكر.

والإصلاح الفعال هو الذي ينبع من الداخل. الآن، الآن، وليس غدا.

وهناك طريقان للوصول إلى ذلك; إما أن ينتفض الشارع المكبوت بعد أن طال انتظاره، وندخل في دوامة لا ضابط لها، تخرب العمران، وتسهل التدخل الأجنبي. وإما أن يأتي الإصلاح على يد من هو الآن في الكرسي، بتفاهم مع النخب المحلية المتطلعة إلى المشاركة، والقادرة على ضبط الحوار الوطني، وصولا إلى أن يأذن الله بتغيير ما بنا بعد أن نغير ما بأنفسنا.

* وزير الاعلام المغربي السابق