اختطاف المكسيك

TT

لم ازر المكسيك منذ عام 1996، ولذا لفت انتباهي سماع كلمتين غير اسبانيتين لم اسمعهما هنا من قبل: الصين والهند.

المكسيكيون يشعرون بأن الدولتين تخطفان الوظائف والأسواق التي كانوا يعتقدون انها خاصة بهم. ولا يسعك الا الشعور بالأسى للمكسيكيين، فهم يسمعون كلمة الهند مضخمة في اذن والصين مضخمة في الأذن الأخرى. والأسوأ من ذلك، انهم لا يستطيعون الالتزام بـ او تشكيل رد فعل استراتيجي موحد.

يقول وزير الخارجية المكسيكي السابق خورخي كاستانيدا، الذي قرر أخيرا الترشح لمنصب الرئيس في عام 2006: «لقد حوصرنا بين الهند والصين. فقدنا 500 الف وظيفة صناعية. ومن الصعب بالنسبة لنا المنافسة مع الصينيين، فيما عدا الصناعات ذات القيمة العالية. واذا ما حاولنا المنافسة في مجال الخدمات، نواجه بالهنود وقطاع الوظائف الروتينية ومراكز الاتصال... ولا يوجد عدد كاف يتحدث الانجليزية هنا».

ليس ذلك كل ما في الامر، ففي الوقت الذي تبعث فيه الهند في كل عام بعشرات الالوف من الطلبة للدراسة في الخارج في مجال العلوم والهندسة، ولاسيما في الولايات المتحدة، ترسل المكسيك عشرة الاف طالب فقط.

ويضيف كاستانيدا، في محاضرة في مجلس العلاقات الخارجية: اذهب الى أي مخزن بيع البضائع المخفضة في المكسيك، والق نظرة على الملابس الرخيصة والألعاب والأحذية والأجهزة الألكترونية، وحتى بعض الاشياء الدينية، المسيحية، يصعب عليك شراء اية منتجات غير صينية. ولكن الاهم «ان الاسواق الاميركية التي كنا نتواجد فيها هي ما نخسر فيها الوظائف... وكنا نعلم حدوث ذلك عندما دخلت الصين منظمة التجارة العالمية في عام 2001، ولكننا لم نستعد».

مشكلة المكسيك باختصار، هي الاتي: العالم مسطح.. او على الاقل يزداد تسطحا. وبسبب التقدم في مجال الكومبيوتر والاتصالات واتفاقيات فتح الاسواق، يمكن لرؤوس الاموال الحصول على مصانع وعاملين في مجال الخدمات في أي مكان في العالم بسهولة متزايدة. ولكي تعد نفسها لتوقيع اتفاقية التجارة الحرة في اميركا الشمالية، مع كل من كندا والولايات المتحدة، نفذت المكسيك ما يمكن وصفه بأنه اصلاحات «بالجملة» ـ وكانت النتيجة فاعلة. فقد انتقلت نقلة تاريخية الى اسواق اكثر حرية وديمقراطية، مع احترام حقوق الانسان وإجراء انتخابات حرة.

هذه هي الإصلاحات الجزئية ذات المقياس الصغير التي تجعل الاقتصاد أكثر مرونة وإنتاجية. حددت الحكومة خمسة مجالات للإصلاح: أسواق العمل; النظام القضائي; الدستور والنظام الانتخابي; جمع الضرائب الذي يعاني من وضع سيئ جدا; وفتح الأسواق المعنية بالطاقة والكهرباء أمام المستثمرين الأجانب لكي يخرج بلد مثل المكسيك من الوضع الغريب باستيراد الغاز الطبيعي والغازولين من الولايات المتحدة.

كان بإمكان الفئة البيروقراطية المكسيكية أن تفرض هذه الإصلاحات من فوق. وهذا ما تقوم به الصين حاليا، وهذا ما يمنح بكين امتيازا يجعلها تستفيد من نتائج إصلاحها لاحقا. لكن، لأن المكسيك الآن هي ديمقراطية، وتحتاج إلى الحفاظ على أن تبقي روح المنافسة الاقتصادية فيها، فهي لذلك تستطيع أن تطور من مؤسساتها فقط عن طريق المرور بعملية بناء الإجماع العام التي تتميز بالفوضى وتبديد الوقت. لكن حمدا لله أن يكون الرئيس الحالي فينسنت فوكس غير جيد في بناء الإجماع العام.

قال غيلميرو أورتيز محافظ بنك المكسيك المركزي «نحن قمنا بالمراحل الأولى من الإصلاح البنيوي من القمة إلى القاعدة. أما المرحلة اللاحقة فهي أكثر صعوبة. عليك أن تعمل لتحقيقها من القاعدة ثم تصعد إلى الأعلى. عليك أن تخلق إجماعا أوسع لدفع الإصلاحات ضمن السياق الديمقراطي... هناك ضرورة ملحة لإنهاء الإصلاحات البنيوية على مستوى مصغر».

لماذا؟ لأنه في الوقت الذي طورت المكسيك طابع التنافس في اقتصادها، كانت الصين تطور تعليمها الخاص بقوة العمل، وبناها التحتية والمهارات الإدارية والتقنية وأدوات التحكم من حيث النوعية بشكل أسرع، حسبما قال المحلل دانييل روسن في مقال نشره في مجلة «الاقتصاد العالمي».

وكان روجرز قد قال ذلك قبل فترة طويلة: «حتى لو كنت تسير على طريق صحيح، فِإنك ستُدهَس إذا بقيت جالسا هناك». والمكسيك وضعت نفسها في الطريق الصحيح لكنها حاليا جالسة فوقه بدون أن تتحرك.

وإذا لم تبدأ بالتحرك مرة أخرى فإنها ستُدهَس من قبل الصين والهند والولايات المتحدة أو من جميع البلدان المتقدمة عليها.

* خدمة«نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»