لماذا يبدو بريمر مرهقا؟

TT

مرت ازمات متتالية، بعضها جاءت معا في وقت واحد، ومعظمها مثلت تحديات صعبة للاميركيين في العراق. ويوجد شبه اجماع في المنطقة العربية، وفي مناطق اخرى، على ان المسؤولين عن ادارة الازمات في العراق عاجزون عن اتخاذ الخطوات السليمة في الوقت المناسب. باختصار توجد ازمة في ادارة العراق سياسيا.

ومعروف ان جذر الازمة الرئيسي يكمن في البداية عندما قررت القيادة الاميركية المنتصرة في حرب سريعة باهرة ان تتولى ادارة العراق بكل شؤونه، فحملت نفسها مسؤولية ضخمة في بلد كبير ومعقد للغاية بصراعاته الداخلية، وكان اكبر اخطائها شطب الاجهزة الحكومية الفاعلة الضرورية للامساك بالامن والحدود والادارات المحلية. بعدها صار ممثلو واشنطن يديرون عمليات شاملة من ملاحقة كبار المطلوبين في الدولة الساقطة، الى مواجهة قيادات وافراد من تنظيم القاعدة، الى جمع الشيعة والسنة والاكراد في مجلس سياسي واحد لاول مرة في حياتهم، الى منع اصحاب المصالح الاقليمية من التدخل، الى التعامل مع خطباء المساجد وزعماء العشائر، الى تأسيس وسائل اعلامية جديدة، وبناء هياكل اقتصادية بديلة، الى ادارة السجون والتحقيقات الامنية وحفر المجاري ومد الكهرباء وفض الاشتباكات بين الاهالي، وفوق هذا بناء جيش وأمن جديدين من ربع مليون شخص. انه امر مستحيل. لهذا يبدو الحاكم المدني، ورفاقه، في حالة اعياء واضحة على شاشات التلفزيون بسبب عجزهم والادارة العسكرية عن حل الازمات لانها اكبر من قدرتهم. والحقيقة ان مشاكل العراق تفوق قدرة اي مؤسسة واحدة في العالم مهما اوتيت من امكانيات، بما فيها الامم المتحدة التي يطالب الكثيرون باشراكها في ادارة العراق.

ورغم هذا الجبل من التحديات الخطيرة ليس بوسع الاميركيين الانسحاب من العراق لانه بمثابة اعلان هزيمة كاملة في المنطقة، وربما بقع اخرى في العالم. من اخطاء واشنطن استمرارها في ترك ادارة الازمات العراقية المتتالية كما هي، واستمرارها في محاربة العالم في وقت واحد، وتخويفها دول المنطقة بمشاريع سياسية اخرى جديدة. ولا يمكن ان تسعى لاطفاء النيران في الفلوجة وتتركها تشتعل في غزة، حيث لا تزال القضية الفلسطينية تسكب الزيت على النار، وتستخدم ذريعة لاثارة القلاقل. في الوضع الراهن يحمّل الاميركيون انفسهم اكثر من طاقتهم في وقت ينتظر منهم ان يبرهنوا على نجاح قيادتهم. وكلنا ندرك الآن ان التفوق العسكري الاميركي حقيقة لكن النجاح هو في ادارة الازمات بدون رصاص ودماء، وحل الازمات في احايين كثيرة لا يتطلب القوة والمال، خاصة في منطقتنا، بل شيئا من الحكمة ودقة الملاحظة.