عبد القادر طاش في رحاب الله

TT

فجعت الأوساط الاعلامية والثقافية في العالم الاسلامي وخارجه، بوفاة الاعلامي الاسلامي المعروف الدكتور عبد القادر طاش يوم الأحد الماضي، بعد معاناة مع المرض، اصطبر عليها كثيرا، مستعينا في ذلك بقول الله تعالى «يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين». ويعد الدكتور طاش من أبرز قيادات العمل الاعلامي الاسلامي مقروءاً ومرئياً.

وكان الفقيد ناشطا مخلصا كرس جل وقته واهتمامه وفكره من اجل العمل المتواصل في خدمة الاعلام الاسلامي توجيهاً وأداءً في القطاعات والأجهزة والمؤسسات التي عمل فيها رئيسا للتحرير أو مديرا لقناة «إقرأ»، التي حاول جاهدا ألا تكون رسالتها الاعلامية الاسلامية ذات خطاب تقليدي يقتصر على جوانب ارشاد متلقيها في مجالات العبادات، بل يتسع خطابها ليشمل المعاملات بأوجهها المختلفة، في سعيه الدؤوب لتأصيل التوجه النبوي في المعاملة والتوجيه والارشاد لقوله صلى الله عليه وسلم «الدين المعاملة».

في الحقيقة لم أعمل في اي صحيفة تسنم الفقيد مهام رئاسة تحريرها، ولكن توطدت علاقتنا عندما التقينا في ندوة عن حقوق الانسان في الاسلام نظمتها رابطة العالم الاسلامي في مطلع القرن الحالي في روما، إذ عقدنا اجتماعا على هامش تلك الندوة للاعلاميين الاسلاميين المشاركين في فعالياتها، وكان من بينهم الدكتور طاش، الذي أشاد بفكرة انشاء هيئة لأصدقاء رابطة العالم الاسلامي من الاعلاميين الاسلاميين، ولكن الفكرة لم يكتب لها النجاح والتوفيق لعوامل عدة أراني في غنى عن سردها في هذه العجالة، التي أرثي فيها أخا كريما وصديقا مخلصا، راح عن دنيانا في ظروف كان الاعلام الاسلامي فيها بحاجة ماسة الى جهده واجتهاده واخلاصه وتضحياته، ولكن لا راد لقضاء الله مؤجلا ومبرما، ولا اعتراض على ابتلاءاته العاجلة والمؤجلة، إذ أننا في صبرنا واصطبارنا على مثل هذه الابتلاءات والمصاب الجلل نسأل الله تعالى ان نكون في زمرة الصابرين على المصيبة والقائلين «إنا لله وإنا إليه راجعون»، تأسياً بقول الله تعالى «وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون* أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون».

وتوطدت علاقتنا أكثر عندما تسنم الراحل منصب مدير عام ادارة الاعلام والعلاقات العامة في رابطة العالم الاسلامي، إذ سارع الى الاتصال بي للتفاكر والتعاون حول برنامجه لتطوير صحيفة «العالم الاسلامي» التابعة للرابطة، وحاولت بجهد االمقل ان أساهم مساهمة متواضعة في هذا البرنامج الطموح تركزت على المشورة والمناصحة، وبالفعل احدث برنامجه نقلة نوعية في هذه الصحيفة، التي كاد ان يجعلها صحيفة المسلمين الدولية، ولكن انتقاله الى رئاسة تحرير صحيفة «البلاد» السعودية حال دون اكمال المشروع التطويري لتلك الصحيفة.

وعندما دعا الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، الأمين العام لرابطة العالم الاسلامي، عددا من الشخصيات الاعلامية الى اجتماع تفاكري في جدة، كنت والدكتور طاش بين تلك المجموعة لمناقشة مشروع تأسيس الهيئة العالمية للاعلام الاسلامي وكانت افكاره نيرة تترى في ذلك الاجتماع تطويرا وتحديثا للمشروع. وبعد مضي عام او يزيد من ذلك الاجتماع استأذنت الدكتور التركي في مراجعة الدكتور طاش في أمر اعتذاره عن الأمانة العامة لتلك الهيئة، وبالفعل أذن لي الدكتور التركي بمحاولة اقناعه فذهبت اليه في مكتبه بشركته الجديدة دار اعلام للدراسات والاستشارات الاعلامية في جدة واجتمعنا لأكثر من ساعتين، ولكنه أصر على الاعتذار رغم ايمانه العميق بأهمية هذه الهيئة، ونقلت ذلك الى الدكتور التركي الذي كان متحمسا للاستفادة من خبرته في مجال الاعلام الاسلامي.

لا يمكن لأحد ان يتحدث عن الدكتور طاش ويتجاهل امكاناته الاكاديمية والفكرية والعملية في قضايا الاعلام، إذ عمل استاذا مساعدا ثم استاذا مشاركا ورئيس قسم الاعلان في جامعة الإمام محمد بن سعود الاسلامية في الرياض. كما عمل رئيس تحرير لصحيفة «المسلمون» الاسبوعية الصادرة عن الشركة السعودية للأبحاث والنشر، ثم رئيس تحرير صحيفة «عرب نيوز» اليومية الصادرة باللغة الانجليزية عن الشركة نفسها. والفقيد كان مؤسسا ومديرا لقناة «إقرأ» الفضائية. وكان ايضا مؤسسا ومشرفا على تحرير ملحق «الرسالة» الاسلامي الصادر عن جريدة «المدينة المنورة» السعودية، ومديرا عاما للاعلام والعلاقات العامة والمؤتمرات في رابطة العالم الاسلامي ورئيس تحرير صحيفة «العالم الاسلامي»، وقبل ان ينتقل الى العمل الخاص تولى رئاسة تحرير صحيفة «البلاد» السعودية. وله كتابات في عدد كبير من الصحف والمجلات السعودية وغير السعودية. كما اصدر العديد من المؤلفات والاصدارات.

رحم الله الفقيد رحمة واسعة وتقبله قبولا طيبا حسنا وألهمنا وذويه الصبر الجميل.

«وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا».