وضع فلسطيني صعب.. وضمانات مستحيلة..!

TT

يطالب الفلسطينيون بضمانات أميركية حول شراكتهم السياسية في الحلول المحتملة، بعد أن نشطت المشاورات الأميركية مع إسرائيل ومصر والأردن. ويطالبون كذلك بضمانات حول وضعهم حيال سياسة شارون الجديدة المسماة ـ بالانفصال أحادي الجانب، والى أي مدى، ستقف واشنطن معهم في فهمهم لخطة خريطة الطريق، والى أي مدى ـ كذلك ـ ستذهب واشنطن في ممالأة شارون والتماهي معه.

لقد حصل الفلسطينيون على تلبية فورية لمطالبهم، وكانت الضمانات الأميركية ـ اللفظية ـ على النحو التالي:

فيما يتصل بشراكتكم، فهذه مسألة غير مطروحة للنقاش في واشنطن، بدليل أننا نجتمع بكم ونتشاور معكم. ولولا اعترافنا بكم كشركاء، لأمكن الاكتفاء بمشاورات القمة التي ستجري في واشنطن بين الرئيس بوش وقادة إسرائيل ومصر والأردن. غير أن شراكتكم، ولكي تكون أكثر فاعلية، لا بد من أن تنفذوا ما عليكم من التزامات صريحة ومحددة في خطة خريطة الطريق.

ان تنفيذكم لهذه الالتزامات ليس فقط شرطا للشراكة، وإنما أيضا مدخل لإعادة فتح ملف الحل السياسي، أي بعث الحياة في خطة خريطة الطريق، التي هي آلية تنفيذ رؤية الرئيس بوش، أي إقامة دولة فلسطينية في العام 2005.

وفيما يتصل بشارون فإن جواب الأميركيين ـ ولكثرة تكراره في السر والعلن على السواء ـ بدا محفوظا عن ظهر قلب، ومفاده أننا سنعتبر كل ما يفعله شارون، سواء على صعيد الانسحاب من غزة أو إخلاء بعض المواقع الاستيطانية في الضفة، جزءا من خطة خريطة الطريق. سنشجع شارون على المضي قدما في انسحاباته، وعليكم أن تتفهموا ذلك. ومرة أخرى، في حال تنفيذكم لالتزاماتكم المحددة في خطة خريطة الطريق سوف تسهلون علينا وعلى غيرنا مساعدتكم وتطوير خطوات شارون في اتجاه أكثر جاذبية.

ورغم هذه الأجوبة، التي قد تتحول من شفهية إلى تحريرية.. إلا أن المخاوف الفلسطينية في أمر الشراكة وخطط شارون تظل قائمة، وربما تتزايد كلما ارتفعت حرارة المشاورات الأميركية ـ الإسرائيلية.

فالإسرائيليون لا يتشاورون من اجل الحصول على غطاء واشنطن لسياساتهم احادية الجانب. فهم ليسوا بحاجة الى هذا الغطاء، انهم بالضبط يمارسون مقايضة صريحة تقوم على مبدأ: كل خطوة، صغيرة كانت ام كبيرة، تحتاج الى ثمن فوري وسخي من قبل واشنطن، والثمن المطلوب بعضه مالي، كتعويض عن اخلاء مستوطنات، والبعض الآخر سياسي، مثل الموافقة على الجدار بعد ادخال تعديلات معينة عليه، ثم قبول فكرة تجميع المستوطنات بما يوفر شرعية جديدة ونادرة لها، اضافة الى مسائل تتعلق بالحدود واللاجئين وغيرها من موضوعات رئيسية يسعى الاسرائيليون الى تغيير الموقف الأميركي التقليدي منها، «لقاء» تحريك الجمود القاتل في الشرق الاوسط، وتحديدا على المسار الفلسطيني ـ الاسرائيلي، مما يوفر لإدارة بوش حجة تصلح للاستخدام الدعائي لنجاحات خارجية في اصعب واعقد قضية اقليمية مستعصية.

ان قلق القيادة الفلسطينية له ما يبرره في الواقع، خاصة بعد هبوط وتيرة الحركة الاوروبية حيال الازمات الفلسطينية ـ الاسرائيلية، وانحسار الدعم العربي، المتواضع اصلا، وخاصة بعد فشل عقد القمة، والمراوغة الاسرائيلية في تأخير الحوار مع رئيس الحكومة الفلسطينية، وهبوط مستوى الحوار الأميركي، كل ذلك في ظرف سياسي لا يعمل لمصلحة الفلسطينيين، حيث موسم الانتخابات الأميركية الذي يمنح شارون افضلية في الضغط والابتزاز.

واذا كان هنالك غير القلق ما يجدر بالقيادة الفلسطينية ان تفعل، فهو الانصراف بتركيز شديد الى الوضع الداخلي لتدارك حالة الفوضى، وتعدد الاجندات، وتنافر الوسائل الكفاحية، والأثر المأساوي لتدهور الوضع الأمني الداخلي وانعكاساته المعنوية قبل المادية على الجمهور، اضافة الى التردي المتسارع في الاوضاع الاقتصادية.

ان بداية الخروج من المأزق الراهن تتطلب اولا اقرارا جماعيا من كافة القوى الفلسطينية الفاعلة، بأن هنالك مأزقا في الأصل، حيث يرى كثيرون أننا الآن في ذروة المجد، ما دامت التضحيات منهمرة كالمطر!

وثانيا، ضرورة بلوغ تفاهم داخلي على نقاط وسط، بعد أن فشلت محاولات جر أي طرف بالكامل إلى خيارات الطرف الآخر - بالكامل أيضا.

وثالثا، توجيه رسالة جديدة للعالم الذي أدار ظهره للفلسطينيين بفعل عوامل عديدة ـ مكتوبة بأكثر العبارات صراحة ووضوحا، تقول: إن جميع الفلسطينيين متفاهمون على موقف وطني واحد، ومتفاهمون على وسيلة كفاحية متفق عليها. الموقف هو خيار السلام الاستراتيجي،

والوسيلة المتفق عليها هي الانتفاضة السلمية.

*وزير الإعلام الفلسطيني السابق