القاطرة

TT

بعد 1967 حدثت النكسة وحدث ما هو اهم منها: لقد انتهت العلاقة الخاصة بين اوروبا واسرائيل وحلت مكانها علاقة عضوية بين اسرائيل واميركا. وسوف تتطور هذه العلاقة بعد حرب 1973 بحيث تصبح علاقة الدولة الاتحادية في واشنطن باحدى ولاياتها البعيدة. فالجسر الجوي الذي اقامه ريتشارد نيكسون لانقاذ اسرائيل من هزيمة «العبور»، لم يترك مجالاً للشك بمدى الالتزام بحماية اسرائيل. وقبل ذلك كان ليندون جونسون قد عين سفيرا لاميركا في الامم المتحدة غداة 1967، حاخاماً يدعى ارثر غولدبرغ. لم يخف اي رئيس اميركي منذ 1967 دعمه المطلق لاسرائيل. ولا اي مرشح للرئاسة. ولا طبعا هنري كيسنجر الذي بكى على التلفزيون يوم وفاة غولدا مائير واسحق رابين.

لكن من حيث الشكل، او من حيث صورة الشرعية الدولية، ظل البيت الابيض يلتزم احترام القرارات الدولية التي وقع عليها، خصوصاً فيما يتعلق بالقدس وبالقرار 242. وظل يلتزم بالقرار 338 لسبب بسيط جدا وهو ان اميركا هي التي وضعتهما وهي التي أمنت التصويت عليهما وامنت الشراكة مع الاتحاد السوفياتي حول تبنيهما، وفي آخر ايام نيكسون صدر عنه وعن ليونيد بريجنيف في واشنطن بيان مشترك حول حقوق الفلسطينيين الشرعية، كان الاهم من نوعه انذاك.

لكن دعونا من ذلك كله. ولنعتبر انه ليس اكثر من حبر على ورق، ما دامت اميركا لا تريد شريكاً ولا حليفاً ولا ندا ولا رقيبا في رسم هذا العالم وفقاً لمشيئتها. سوف نتوقف فقط عند معاهدة كامب ديفيد التي اعدت ووقعت وكتبت في ظلال البيت الابيض. وبموجب تلك الاتفاقية خرجت مصر من العالم العربي ودخلت في حوار مع اسرائيل لقاء امرين: الاول استعادة سيناء، والثاني اعطاء الفلسطينيين الحكم الذاتي. وصحيح ان الفلسطينيين رفضوا الاتفاق يومها وخونوا مصر وانور السادات، لكن ياسر عرفات عاد فقبل به، هذه المرة كمتفرع عن مؤتمر مدريد في اوسلو.

لقد رمى جورج بوش في سلة المهملات اتفاق كامب ديفيد الموضوع في مصيف البيت الابيض، ورمى في الهواء اتفاق اوسلو الذي رعاه جورج بوش الأب وكبار معاونيه والرجال الذين كانوا يفكرون له او عنه، هؤلاء كانوا من طراز جيمس بيكر. والذين يفكرون عن الابن الآن من طراز بول وولفوتز. ولكن قبل ان يتبرع المستر بوش بالضفة الغربية عليه ان يراجع القانون الاميركي بدقة. وعليه ان يدقق في ما اذا كان في امكانه ان يرمي الامم في سلة المهملات قبل ان يعود الى الكونغرس ومجلس الشيوخ ودائرة المحفوظات في البيت الابيض.

ليس في حاجة لأن يستشير العرب ولا الفرنسيين ولا كوفي انان، قبل ان يطلق الرصاصة على فلسطين والسلم، لكن عليه ان يراجع تاريخ بلاده والتزاماتها قبل ان يقفز الى مثل هذا العناق مع ارييل شارون. وقد لا يلام بوش كثيرا استناداً الى ما سبق، لكن المؤسف الى درجة الاضحاك، ان يكون طوني بلير قد قفز فوراً الى المقعد الخلفي في هذه القاطرة التي لا مثيل لها في التاريخ.