الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي.. انكفاءة على نموذج كامب ديفيد..!

TT

خلال شغلي منصب وزير الخارجية، وقبل مغادرتي الشرق الأوسط بعد جولة من الاجتماعات في اطار عملية السلام، شاهدت رسما كارتونيا في صحيفة «جيروزالم بوست» يحتوي على قطعة من الورق عليها عبارة «جهود شولتز للسلام»، وظهرت فيه ادفع عن نفسي ضربات من الاسرائيليين والفلسطينيين والاردنيين. وكان كلام الكارتون يقول: حسنا على الاقل يتفقون على شيء.

والى ذلك فكل الاحداث الاخيرة حول التطورات في المنطقة تبدو سيئة. ولكن اذا ما نظرنا الى ما وراء العناوين، فسنلاحظ وجود بعض الامكانيات. نعم يجب على المتفائلين الابتعاد، كما يجب ايضا على القدريين. فمع مثل هذه الاوضاع لا يعمل المرء على اساس الاحتمالات وانما على اساس الامكانيات، والعمل لا يمكن تجنبه - مع الطاقة والتوقيت - لأن القضايا المطروحة حيوية في هذا العالم الخطر.

ما هي الامكانيات إذن؟ أقول أنها اكثر وضوحا مما نتصور. فلقد نقلنا موقفنا الطويل في الصراع العربي ـ الاسرائيلي الى مستويات جديدة وعميقة نتيجة للاعتراف المتجدد بأهمية الدولة.

ففي عام 1979 اعترفت كل من مصر واسرائيل ببعضهما الآخر كدولتين شرعيتين ووقعتا معاهدة سلام. واعترفتا منها بأن الدول يمكن ان تتوصل الى سلام مع دول اخرى، فقط في اطار النظام الدولي، فتولت مصر دور المفاوض مع اسرائيل بالنيابة عن الفلسطينيين، الذين ليس لديهم دولة.

ولكن بعدما قتل الاسلاميون الرئيس انور السادات، تخلت مصر عن دور الدولة المفاوضة. وتولى الاردن هذا الدور، ولكنه تخلى عنه عام 1988 ولم تحقق المفاوضات تقدما جادا، بالرغم من بعض النقاط المميزة الواضحة، لعدم وجود دولة شريكة تجلس معها اسرائيل عبر طاولة المفاوضات.

ومن الواضح ان الأمن بالنسبة لاسرائيل قضية حيوية بالنسبة لمفاوضات مثمرة. وحتى الآن لم يتبلور أي شئ. فهؤلاء الذين يسعون للقضاء على اسرائيل اعتبروا جهود اوسلو، وكامب دافيد - 2 وغيرها دليلا على ان الارهاب يحقق نجاحا، وأن كل خطوة اسرائيلية نحو السلام هي دليل على الضعف.

والآن تشيد اسرائيل الحاجز الامني فيما ذكرت انها يمكن أن تغيير طريقها في حالة التفاوض. وتبدو اسرئيل مستعدة للانسحاب من بعض المستوطنات في ما وراء الحاجز الامني، مثل غزة. واذا حققت اسرائيل، عبر هذه الاجراءات مكسبا امنيا في اراضيها، فسيصبح ذلك خطوة كبيرة نحو السلام.

لقد قضت الحرب في العراق على نظام مارق تصرف مرارا لعرقلة التقدم نحو السلام. وعملية تحرير العراق هي حجر الزاوية للجهود التي لا يمكن الاستغناء عنها فيما يتعلق بالسلام الدولي بتحويل الشرق الاوسط من الاستبداد والفشل الى حكم مسؤول واقتصاد مزدهر. ويتردد صدى ذلك عبر المنطقة والناس يشاهدون ان الاصلاحات ضرورية والتغيير من اجل الافضل ممكن. فالمشاكل الرئيسية الحالية، مع كل الاضرار التي تسببها، تكشف فقط اهمية هذا الاحتمال الكبير، وتؤكد الحاجة الى النجاح في العراق. ولكن الحكمة السائدة معكوسة في هذه الحالة فحل النزاع العربي ـ الاسرائيلي ليس شرطا لتغيير ايجابي عبر الشرق الاوسط، ولكن يمكن له ان يصبح جزءا منه ونتيجة لمثل هذا التغيير.

وتذكروا، فللمرة الاولى في تاريخ الصراع الاسرائيلي ـ الفلسطيني، اعربت دول عربية هامة عن دعمها للسلام بين اسرائيل والفلسطينيين، والسعودية ومصر والاردن حجر زاوية في مثل هذه البنية.

فلنتذكر هنا المبادرة الهامة لولي العهد السعودي الامير عبد الله بن عبد العزيز، التي تضمنت انه في حالة التوصل الى اتفاقية سلام بين دولة اسرائيل ودولة فلسطين، فستعترف دول الجامعة العربية، بإسرائيل كدولة في الشرق الاوسط وفي النظام الدولي. وتوجد هناك «خريطة طريق» يمكن الانطلاق منها. وتحدد هذه الوثيقة الاتجاهات العامة للتقدم نحو سلام اسرائيلي ـ فلسطيني. ولا توجد وثيقة منذ الوثيقة الاساسية لعملية السلام ـ قرار مجلس الامن 242 لعام 1967 ـ كان لها مثل هذا الدعم الدولي واسع النطاق، وإن كان غير نهائي. وقد اشار كل من الاسرائيليين الفلسطينيين ومصر والسعودية والاردن والهيئة الرباعية ـ الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي وروسيا والامم المتحدة ـ الى رغبتهم لاعتبار خريطة الطريق ورقة عمل لأطراف النزاع، والى الدول والمنظمات الرئيسة في النظام الدولي ذاته.

ويشمل هذا المنطلق طريقة لحل مشاكل التفاوض في العشرين سنة الماضية. وهو يدعو الى تأسيس دولة فلسطينية، ليس في نهاية المفاوضات ولكن في منتصف الجهود. وبالطبع هناك الكثير المطلوب لتأسيس دولة اكثر من الاعلان عن ذلك، فمن الممكن تأسيس بنية الحكم، واذا ما ساعدت كل من مصر والاردن، فيمكن قمع العنف ويمكن للدولة الناشئة السيطرة على استخدام القوة. وعندئذ يمكن وجود دولة فلسطينية يمكن لاسرائيل التفاوض معها. وسيصبح للفلسطينيين المسؤولين عن الحكم المزيد من السلطة، وستزداد ثقة الاسرائيليين من ان شريكهم التفاوضي يمكنه الالتزام بالاتفاق الذي تم التوصل اليه، لانه سيكون اتفاقا بين دولة واخرى.

* وزير الخارجية الأميركي الأسبق

ـ خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»