خطة السماء الصافية تزيد غيوم المنطقة تلبدا بالكوارث

TT

تبدو خطة السماء الصافية ، التي وضعها رئيس الوزراء الإسرائيلي آرييل شارون، لما يسميه بفك الارتباط الأحادي عن الفلسطينيين، خطة سماء ملبّدة بالغيوم بالنسبة للفلسطينيين، وذلك نظراً لما ستكرسه هذه الخطة، إذا ما أقرت، من واقع لن يجلب إلا الكوارث للشعب الفلسطيني. فهذه الخطة بما تتضمنه من تهميش تام للجانب الفلسطيني المعني أولا وأخيرا بها، تحت ذريعة عدم وجود طرف فلسطيني مفاوض، إنما تنطلق من مبدأين إسرائيليين قديمين جديدين خاصين بشكل رئيس باليمين الإسرائيلي، أولهما رفض التفاوض مع الفلسطينيين في ظل أية ظروف، وذلك انطلاقا من اعتبار أي تفاوض معهم إنما يشكل اعترافا بحقهم في الأرض التي لم تزل بالنسبة لشارون واليمين الإسرائيلي عامة، هي أرض إسرائيل التي لا يمكن التنازل عنها، وأن وجود الفلسطينيين فيها هو مجرد وجود سكان غير مالكين للأرض. أما المبدأ الثاني، فهو مبدأ عدم اتخاذ أي قرار نهائي في شأن مصير الضفة الغربية تحديدا، والعمل باستمرار على التأجيل والتسويف وترك الباب مفتوحا أمام أية احتمالات مستقبلية، وذلك انطلاقا من القناعة بأن المستقبل إنما يعمل لصالح إسرائيل.

وفي ضوء هذين المبدأين، يتحرك شارون الآن من خلال خطته، لتنفيذ هدف إسرائيلي استراتيجي تجمع عليه كل الأطراف السياسية بيمينها ويسارها، على الرغم من تباين سياساتها وتكتيكاتها بين حين وآخر، وهو المتمثل في الحفاظ على دولة إسرائيل دولة يهودية، وعلى الضفة الغربية الفلسطينية عمقا استراتيجيا لها. وقد تبلور هذا الهدف أول مرة في مشروع إيغال ألون في أواخر الستينات، ثم في اتفاقات كامب ديفيد، مرورا بخطة التقاسم الوظيفي والحل الأردني، وانتهاء باتفاقات أوسلو التي قسمت الأراضي الفلسطينية إلى ألف وباء وجيم، حيث شكلت منطقة جيم، التي تزيد مساحتها عن ثلثي أراضي الضفة الغربية، العمق الاستراتيجي الذي بذلت الحكومات الإسرائيلية جهدها خلال مفاوضات تسعينات القرن الماضي لعدم تسليمها إلى الفلسطينيين.

غير أن خريطة الطريق التي هي آخر مشروع دولي للتسوية السياسية، فهي وإن تكن تقسم الحل إلى مرحلتين، إلا انها تخرق مبدأ عدم التفاوض الإسرائيلي اليميني بالنص على شرط التفاوض الفلسطيني ـ الإسرائيلي للوصول إلى الاتفاق، كما تخرق الهدف الاستراتيجي الاسرائيلي سابق الذكر بالإقرار بالسيادة الفلسطينية على الأرض، سواء في إطار الدولة الانتقالية أو الدولة الدائمة لاحقا.

ويبدو واضحا الآن، أن شارون يسابق الزمن أمام اقتراب انتهاء حياته السياسية، إما في عام 2007، أو قريبا، إذا ما صدرت بحقه لائحة اتهام بالفساد، مستغلا ما آلت إليه الأوضاع الفلسطينية من تدهور وضعف نتيجة ما حدث خلال السنوات الثلاث الماضية، والانشغال الأمريكي بالحرب على الإرهاب والأوضاع في العراق وأفغانستان، وذلك للالتفاف على خريطة الطريق وإقرار أمر واقع جديد يقوم على مبدأ رفض التفاوض مع الجانب الفلسطيني وإحياء الهدف الاستراتيجي الإسرائيلي الذي كانت خريطة الطريق قد التفت عليه.

فوفقا لخطة شارون، ينسجم الانسحاب من قطاع غزة بدون إبرام اتفاق يقر بنهاية الاحتلال والسيادة الفلسطينية على أية بقعة يتم الانسحاب منها، مع مبدأ رفض التفاوض أصلا، ولا يمس الهدف الاستراتيجي الإسرائيلي، وذلك نظرا إلى أن الصهيونية لا تعتبر قطاع غزة جزءا من أرض إسرائيل ، كما انه لا يتمتع بأية أهمية استراتيجية بالنسبة لها. وتحت وهَم الانسحاب من قطاع غزة، الذي يترك الوضع القانوني للقطاع معلقا، تستفرد خطة شارون بالضفة الغربية وتلتهمها قطعة قطعة عبر الجدار الفاصل، والمستوطنات المنتشرة خلف الجدار، والخط الأمني العسكري الإسرائيلي الذي سيحمي تلك المستوطنات، والذي سيوفر لإسرائيل فرصة إدامة الأمر الواقع الجديد إلى أمد غير منظور. هكذا يسرع شارون الآن للحصول على موافقة واشنطن على خطته تحت ذريعة أنها تشكل جزءا من خريطة الطريق، وتحت ذريعة عدم وجود طرف فلسطيني مفاوض، لكي يعود فيجري الاستفتاء ويحصل على مصادقة حكومته، ثم مصادقة الكنيست، بحيث تصبح الخطة مشروعا إسرائيليا ملزما لأية حكومة قد تخلف حكومته.

وتشير كل المعطيات الراهنة، إلى ان الادارة الأمريكية غير معنية بالضغط على شارون لكي يتفاوض مع الفلسطينيين. وبدلا من التوجه لتقديم بادرة حسن نية للفلسطينيين في سياق معاركها المختلفة في المنطقة، كالإصرار مثلا على تنفيذ المرحلة الأولى من خريطة الطريق عبر مفاوضات واتفاقات فلسطينية ـ إسرائيلية تتضمن كل الالتزامات التي نصت عليها خريطة الطريق، فإن الإدارة الأمريكية أصبحت أقرب إلى تأييد الهدف الاستراتيجي الإسرائيلي، المتمثل في عدم اتخاذ قرار نهائي في شأن مصير الأراضي الفلسطينية. وهذا يعني أن الأراضي الفلسطينية قد أصبحت رهينة نتائج الحرب على الإرهاب والحروب الأمريكية المختلفة في المنطقة. ومع البدء بتنفيذ الخطة على النحو الذي هي عليه الآن، سوف يتعهد شارون، أو من سيخلفه، بفرض أقصى ما يستطيع من الوقائع الجديدة فوق الأرض، بحيث لا يجد الفلسطينيون بعد انتهاء الحرب على الإرهاب ما يتفاوضون عليه. ويبدو واضحا الآن، ان الأوان قد فات على إجراء أي تعديل استراتيجي في التوجهات الفلسطينية، فاقتناص الفرص أمر لم يعرفه العقل السياسي الفلسطيني، بل هو أحد مزايا العقل الإسرائيلي.

* كاتبة فلسطينية ـ غزة