الواحد بألف

TT

لا ادري لم كل هذه الضجة والاستياء العالمي حيال مذبحة الفلوجة. لم يتجاوز من قتلوا فيها ستمائة مواطن معدم. وهو في رأيي رقم متواضع وصغير كثمن للحراس الأمنيين الأمريكان الأربعة الذين قتلهم الفلوجيون قبلها بأيام. كان التمثيل بهم عملية شنيعة قززت كل من سمع بها من الاجانب والعرب والمسلمين وسودت وجوه العراقيين في كل مكان. لكن المفروض ان الضباط الامريكان الذين تلقوا تدريبهم وارشاداتهم في اسرائيل عن كيفية التعامل مع العرب قد سمعوا شيئا من الاسرائيليين عن تاريخ العراق.

لماذا لم يشمل تدريبهم زيارة للجناح الآشوري في المتحف البريطاني؟ فلو فعلوا لوجدوا المنحوتات الآشورية تمثل عمليات السحل التي ابتدعها العراقيون قبل ثلاثة آلاف سنة. اذا كان العراقيون قد قطعوا رأس الحسين، ابن بنت رسول الله وحملوه على رماحهم الى الشام، فما الذي ينتظره الامريكي المحتل منهم؟ قبل خمسين سنة فقط مثلوا بأفظع من ذلك بجثة سليل آل البيت وولي عهد العراق الأمير عبد الإله.

توعد الرئيس بوش بالانتقام ممن فعلوا تلك الفعلة. هكذا ارسلوا قواتهم فقتلت ستمائة فلوجي، اي 150عراقيا عن كل امريكي، وهو رقم متواضع ينطوي على كثير من الرحمة حسب رأيي وحساباتي. فقد سمعت ان كل واحد من أولئك الامنيين كان يتقاضى خمسة آلاف دولار في اليوم من الشركة التي استخدمتهم في مهماتها الخطرة. قارنوا ذلك بما يكسبه المواطن الفلوجي العادي. كم يكسب (اذا كان يشتغل)؟ دولارا في اليوم؟ ثلاثة دولارات في اليوم؟ ولأكون كريما اقول خمسة دولارات في اليوم. يعني ان كل واحد من اولئك الاربعة يكسب الف مرة بقدر ما يكسبه ابن الفلوجة.

نحن نعيش في عالم الرأسمالية. وفي هذا العالم، لا قيمة للانسان خارج نطاق ما يملكه ويكسبه من الفلوس، الفلوس هي الانسان والانسان هو الفلوس، واعتقد ان لي في العراق من يسندني في قولي هذا. الاقتصادي ورجل الاعمال احمد جلبي. وفي اطار هذه القاعدة الرأسمالية من الاقتصاد الحر والعولمة، يكون كل واحد من اولئك الاربعة المساكين يساوي الف رجل من اهالي الفلوجة. وعليه فلتحقيق العدالة، كان المفروض ان يقتل من اهالي هذه المدينة المتمردة اربعة آلاف رجل مقابل الاربعة من الامريكان الذين قتلوا، لكن ما حصل هو ان قتل ستمائة فقط وغضت القيادة الامريكية النظر عن الباقي تساهلا منها ورحمة بأهاليهم. والحقيقة ان هذا الرقم الذي ذكرته الانباء غير صحيح وينبغي تخفيضه ربما الى النصف. فالمعروف ان بين القتلى الكثير من النساء والاطفال. وفي عالمنا العربي ليس للمرأة اي قيمة وينبغي حذفهن من الرقم الكلي. واذا تساهلنا وحاولنا الموضوعية فيمكن اعتبارها تساوي نصف الرجل على غرار ما اعتبرنا الفلوجي يساوي واحدا بالالف من الامريكي.

ومن الناحية الاخرى، اذا اعتبرنا ما يملكه كل واحد من الاربعة في بلده في كاليفورنيا، او فرجينيا، او نيويورك من بيت ويخت وسيارات واثاث، وقارناه بما يملكه الفلوجي الفقير في خربته او كوخه الحقير من حصيرة ومخدة ولمبة نفطية يكون كل واحد من اولئك الاربعة يساوي ليس الف فلوجي فقط وانما مليون فلوجي. تذكروا ذلك يا اولاد الحلال عندما تلقون قنبلة على سيارة امريكية.