بعد كابيلا

TT

ودّعت جمهورية الكونغو الديمقراطية بمأتم رسمي وشعبي رئيسها الراحل لوران ديزيريه كابيلا، الذي سقط برصاص احد حراسه قبل ايام. وفي حين تفاوتت تعليقات الاعلام الدولي بين إبداء القلق من المستقبل وتقريع حكم كابيلا والشماتة به وبموته، احجم المعلقون على تحليل ظاهرة كابيلا والمعاناة التي تنتظر افريقيا السوداء خلال العقود القليلة المقبلة.

بطبيعة الحال كابيلا يجسّد معظم مواصفات زعماء العالم الذين حاولوا الانتقال من الثكنات او النضال في الادغال الى القصور الرئاسية. والمقصود بـ«معظم» ان البعض نجح اكثر من غيره في تعلم فنون السياسة، ولم يكن كابيلا لسوء طالعه او طالع الكونغو من الناجحين. والارجح ان محرّكي الأدوات وصانعي الزعامات لم يغفروا له ماضيه فعجلوا في محاصرته، واربكوه وضايقوه فأخطأ في حساباته غير مرة.

والواقع انه بينما كان كابيلا يحلم بتجاوز مناخات الحرب الباردة وجد نفسه فجأة يسبح في مستنقعها، جزءاً من تحالف وخصماً لتحالف آخر. بل جزءاً من التحالف الذي يناوئه النظام العالمي الجديد وخصماً للتحالف المهيأ للعب دور اكبر في مستقبل منطقة البحيرات حيث خاصرة افريقيا اللينة، وبؤرة نزاعاتها القبلية المزمنة.

حتى هذه اللحظات ارتؤي ان يتولي جوزف كابيلا، ابن الزعيم الراحل، خلافته، بيد ان قلة من المحللين تتوقع من الخلف ان ينجح حيث اخفق السلف. فهو بإجماع الآراء شاب محدود الخبرة، يتولى السلطة في بلد لا تسيطر حكومته الا على حوالي نصف اراضيه، وتتصارع فوق هذه الارض المجزأة جيوش ست دول مجاورة موزعة بالتساوي على جبهتين.

والجانب الأخطر في هذه المسألة ان تغييب لوران كابيلا، شكل تحدياً صارخاً للدول الثلاث التي كانت تدعمه سياسياً وعسكرياً، وهي انغولا وزيمبابوي وناميبيا. وثمة مخاوف، زكّتها المؤشرات الاولية، من اعتبار الدول الثلاث ـ وكلها ذات انظمة يسارية ثورية سابقاً ـ نفسها مستهدفة مباشرة بهذا التغييب. وبالتالي الاندفاع نحو مزيد من التورط في المستنقع الكونغولي كي لا تخلو الساحة للمعسكر المعادي، المحسوب على الغرب.

عضلات كابيلا (الابن) ستكون على الارجح أضعف من ان تحول دون تورط المتورطين، او زيادة اطماع الخصوم. وخبرته السياسية المحدودة، بلا شك، دون حجم التحديات التي تهدد وحدة دولة بحجم الكونغو وتنوعها القبلي وثرائها المغري دائماً على التدخل والهيمنة او حتى التقسيم والتفتيت. وعليه ليس من المستبعد ابداً ان يكون «السيناريو» الكارثي لأزمة الكونغو، وتفاعلاتها الاقليمية، قد بدأ فصولا.