أطلس الشيراوي

TT

كان يوسف احمد الشيراوي لعدد كبير من الاعوام وزيرا للصناعة والتنمية في البحرين، يتعاطى في النهار في شؤون الالمينيوم والنفط والخطة الخمسية، وفي المساء يقرض الشعر او النثر او ثالثهما، السجع. وكنت اشاهده في مؤتمرات القمة احيانا يهمس في اذن غازي القصيبي شيئا ما، فيخيل الى الذي لا يعرفهما، ان وزيري التنمية في السعودية والبحرين تذكرا فجأة صيانة الجسر بين البلدين، غير انني كنت اعرف من طرب الملامح ان الشيراوي تذكر بيتا لابراهيم ناجي او فصلا لاحمد بن ماجد! وعندما ترك الشيراوي الوزارة قبل سنوات هرع فورا الى كتابة مقال في «الشرق الأوسط» عن أيام تلمذته في بيروت. وقد كتبت يومها ان ثمة فئة طاغية من البشر تأخذ بريق الحقائب الوزارية ولا تكتفي فتقفز الى بريق الكتابة والذكريات الملاح. وفي كل مرة اجيء الى البحرين يكون في برنامجي الفطور مع الشيراوي. كل يوم. وفي ذلك انانية وكسل لا بد من الاعتراف بهما. فعندما اخترع القاموس الآلي فرحت فرحة شديدة، لانه لم يعد من اللازم، في كل مرة اقتضتها الضرورة، القيام الى القاموس وتوسل الابجدية وتقليب الصفحات، بل بمجرد ان تطبع الكلمة المطلوبة تكر الشروح. واحيانا التصحيحات، والشيراوي اشبه بالمعجم الآلي. تاريخ ـ جغرافيا ـ ادب ـ سياسة ـ الهند ـ ذكريات ـ النفط ـ الارقام ـ البطالة ـ شعر ـ وطبعا روايات غازي القصيبي أو قصائده. وعندما يقول «قلت لغازي» فعليك ان تعرف انه يعني مؤلف «العصفورية».

هذه الرحلة جاء الشيراوي الى الفطور ومعه ملاحظات عاجلة على مقال لمحمد جابر الانصاري يقول فيه ان القصيبي في «العصفورية» كان ساخرا مثل الجاحظ. خطأ. وسوف يصحح الشيراوي ويصوب: القصيبي في «العصفورية» ساخر مثل المتنبي لا مثل الجاحظ. لان سخرية الاول مليئة بالمرارة و«النار في الحشا»، فيما ابن ابي بحر ساخر للسخرية، والفن للفن، لذلك اقتضى التنويه، وللبيان حُرِّر.

قهوة الصباح مع الشيراوي لطائف لطائف. وقد خطر لي ان اسأله، ماذا يفعل الآن غير المؤتمرات والمحاضرات والسفر الى «ان الهوى لندن». وهل هو سؤال يسأل؟ الشيراوي ماذا يفعل؟ خذ. سجل عندك: مجلة «يوسف الشيراوي» لعلوم الفلك وكتاب الشيراوي يتذكر. و«اطلس المتنبي»! اطلس والمتنبي؟ ماذا يجمع بين العروض والجغرافيا، او بالاحرى من يفعل ذلك؟ يا له من سؤال ساذج. الشيراوي يفعل. وقدم الي مخطوطة من الطف ما قرأت، مزينة بعشر خرائط، عن اسفار المتنبي في مدن وحواضر الاسلام. وقد قال له شاعر البحرين ابراهيم العريض ان هناك حوالي 2000 كتاب عن أبي الطيب لكن ليس بينها واحد عن حله وترحاله. وان انا قلت عن الشيخ العريض انه شاعر البحرين فلست اعني بذلك فقط هذا البلد الصغير وانما تماما كما سمي خليل مطران شاعر القطرين. وكلما عدت الى مجموعة «الرسالة» القديمة وجدت في احد اعدادها قريضا رقيقا من شباب الايام وجذوة الشعر العريضي.

«اطلس المتنبي» دراسة جغرافية ممتعة يغلب فيها دائما الهوى الشيراوي لشاعر سيف الدولة الذي عبر الفيافي طالبا السيادة وعبر القوافي سيدا بلا منازع. من شيراز الى الفسطاط ومن حلب الى الكوفة:

يقولون لي ما انت في كل بلدة وما تبتغي؟ ما ابتغي جل ان يسمى تغرَّب لا مستعظما غير نفسه ولا قابلاً الا لخالقه حكما