المرأة واللغة

TT

كتبت يوم أمس عن المرأة والحرب ومشكلة مساواتها مع الرجال في مهمات القتال. الواقع ان كثيراً من عمليات المساواة الجنسية تعثرت غالباً بمشاكل لم تكن بالحسبان. منها مثلاً المشكلة اللغوية المرتبطة بالتأنيث والتذكير. حدثت زوبعة في اسرائيل اخيراً بسبب كتيب اصدرته السلطات بشأن الخدمة المنزلية. استعملت فيه باستمرار ضمير المؤنث. قال المعترضون: لماذا تفترض السلطات بأن المؤنث، أي المرأة، هي التي تقوم بالخدمة دائماً في البيت. نجد على نقيض ذلك في البلاد العربية بالنسبة الى سياقة السيارات. تصاغ التوجيهات دائماً بصيغة المذكر. «انتبه»، «احذر! خطر!»، «ايها السائق خفض السرعة». وهكذا. لماذا يفترضون في بلد كمصر أو لبنان ان السيارة يسوقها دائماً رجل وتتوقف عن العمل اذا ساقتها امرأة؟ الواقع، لو انني كنت مدير المرور لصغت هذه اللافتات بصيغة المؤنث فأقول: انتبهي! واحذري! خطر! فالمرأة غالباً ما تنشغل بشعرها ومكياجها وتنسى السياقة.

الحل كما تقتضيه فكرة المساواة هو ان نضع كلتا الصيغتين. فنقول: احذر ايها الرجل! واحذري ايتها المرأة! خطر للرجال والنساء ولكن هذه الصيغة ستتطلب لوحة كبيرة وقلما يستطيع السائق (أو السائقة) قراءتها وهو أو هي حسب الحالة، في سرعة عالية. ليس ذلك فقط. ستظهر هناك من تغتاظ من اللوحة فتحطمها لعدم مساواتها وتفضيلها الرجل على المرأة بذكره اولاً ثم المرأة.

تعبر اللغة عن ذهنية الناطقين (والناطقات) بها. فالإنغلوسكسون اقل الشعوب تمييزاً بين الرجل والمرأة ولهذا فمعظم اصطلاحاتهم تشمل الجنسين: المعلم والدكتور والمهندس والفلاح وهكذا. وحيث وجدت صيغة مذكر، حاربت الانثويات لالغائها. مثلاً Chairman اصبحت chairperson. بدلاً من الزوج والزوجة اصبحوا يقولون Partner التي تشمل الاثنين. ومضت المتطرفات من الانثويات الى الاعتراض على استعمال صيغة التذكير بالنسبة للذات الالهية. لم اسمع بعد عن الصيغة التي اهتدوا، أو بالاحرى اهتدين، اليها.

مثلما قيل إن اللغة تعكس ذهنية الناس يمكن القول ان ذهنية الناس تنتج من منطق لغتهم. ولكن الانثويات بيننا قلما حاولوا، عفواً حاولن، الاستفادة من منطق لغتنا. فمثلاً ان سائر قوانيننا وانظمتنا تفترض البراءة في المرأة وان المجرمين هم دائماً الرجال. تقرأ فتجد القانون يقول: «كل من ارتكب كذا.. أو ساعد احداً على ارتكاب كذا يعاقب بكذا او عليه دفع غرامة بمقدار كذا». وهذه نقطة لم يلتفت اليها محامي الكاتبة ليلى العثمان. فلو أنها كلفتني بالدفاع عنها، لقلت ان القانون لا يشملها. فهو يتحدث عن الذكور، وموكلتي مجرد امرأة. سيحاول الادعاء العام أن يرد علي بالقول بأن صيغة المذكر في القانون تشمل المؤنث. وهذا طبعاً دفع مردود لأنه يفترض مسبقاً المساواة بين الرجل والمرأة وهو شيء غير صحيح وغير موجود. وبغياب المساواة يصبح على المشرع ان يقول «كل من ارتكب او ارتكبت كذا أو ساعد أو ساعدت احداً أو واحدة يعاقب أو تعاقب بكذا...».

وهذه نقطة قانونية اسوقها لكل المحامين العرب الموكلين بالدفاع عن امرأة. واحتفظ بحقي كمحام سابق بمطالبتهم بحصتي من اتعابهم.