الطباخة والملك

TT

يوم قابلت تريسي ادواردز العاهل الاردني الراحل الملك حسين كانت في عشريناتها وكان الملك يقترب من الخمسين، ولم تكن تريسي قد اصبحت اسما علما في رياضة اليخوت انما كانت حين قابلها الملك الاردني صدفة في الثمانينات، مجرد طباخة على قارب بحري، لكن ذلك لم يحل، كما تقول تريسي في كتابها الجديد، من ان تنشأ بين الطباخة والملك صداقة عميقة امتدت الى آخر ايام الملك الراحل.

وتروي تريسي قصة اللقاء الاول بأسلوب لا يخلو من الاعجاب المفرط، فأول ما لفت نظرها في الملك الراحل، الذي رأته بصحبة الملكة نور، تلك الابتسامة التي كأنها خارجة لتوها من جنان النعيم حسب تعبيرها.

ولم يقف الامر عند النظرة والابتسامة، فبعد الغداء وفيما كانت تريسي تغسل الصحون اقترب منها الملك، وبيده «فوطة» وبدأ ينشف الصحون التي تغسلها، فلم يكن معتادا على الراحة ـ كما علقت ـ وكان يبحث عن شيء يفعله على اليخت، الذي استأجره بخمسة آلاف جنيه استرليني في اليوم، ليحصل على قسط من الراحة بعيدا عن اعباء المنطقة التي كانت تعاني، حين قابلت تريسي الملك، من ذيول الغزو الاسرائيلي لبيروت.

ولما اخبرت الطباخة الملك الحنون انها ستغيب طويلا في البحر عن امها وعدها ان يهاتف الام بالنيابة عنها ليطمئنها عن ابنتها، واوفى بوعده، فلم يهاتف الام مرة واحدة انما اربع مرات والمشكلة ان ام تريسي لم تصدق انها تخاطب ملكا حقيقيا.

وبأسلوب لا يخلو من طرافة، تحكي تريسي عن مكالمة الملك الاولى لامها التي ظنت ان احدا يسخر منها على الطرف الثاني من السماعة ويقول انه الحسين ملك الاردن، فاوشكت ان تقول له: وانا ملكة سبأ.

ولا يوجد هدهد ينقل الاخبار، فالملك شخصيا قام بهذا الدور بين الام وابنتها وترك لها خبرا ان تقابله في لندن، حين تعود من عملها المرهق في البحر، ففعلت، وانتج ذلك اللقاء اتفاقا غيَّر سياسة رياضة اليخوت، فلأول مرة في تاريخ تلك الرياضة يخرج الى التسابق احد اليخوت وعلى متنه بحارات من النساء ليس بينهن أي رجل.

وكتاب تريسي ادواردز الجديد سيصدر مطلع الشهر المقبل وعنوانه Living every second والترجمة الحرفية لهذا العنوان البسيط ممكنة، لكني أفضل الابتعاد عن الحرفيات والحروفيات مؤقتا، فبدلا من ترجمته «عشت كل ثانية» الأفضل ان ننقله ببعض التصرف ليصبح «حياة حافلة» وطبعا لا بأس من اضافة صفة وعميقة، وهو سياق تجيزه حياة البحر الذي امضت فيه الطباخة التي تحولت الى قبطانة معظم حياتها.

وقد استبقت صحيفة «صنداي تايمز» الكتاب بنشر مضمون منه روت فيها الكاتبة غير اللقاء الملكي قصة الفتيات اللواتي ابحرن معها دون رجال فافتقدن رائحة الجنس الآخر بعد اسبوع في البحر، كما روت قصة رحلتها وحيدة على قارب مليء بالرجال الذين كانوا يستنشقونها عن بعد دون ان يقتربوا منها ـ على ذمتها ـ.

ولك ان تصدقها أو لا تصدقها، ومهما كان موقفك فلن تستطيع ان تخفي اعجابك بخفة دمها، خصوصا وهي تصف سيارتها «المكلكعة» التي حضرت بها لمقابلة الملك حسين في قصره اللندني في حدائق كنسنجتون، حيث كانت تقيم الاميرة الراحلة ديانا.

والمشكلة في البريطانيات اللواتي يقابلن ملوكا، ان في اذهانهن دائما مسرحية «الملك وانا» التي غيرت فيها معلمة بريطانية حياة ملك شرقي، وبالتالي، فمن الافضل ان تستمتع بالقراءة وتنسى الصدق والكذب، فالتاريخ السياسي للملوك يؤخذ من مصادر أخرى، لكنه يتأثر ايضا بمن يحيطون بالملك، فكم من قرار خطير اوحى به على غير توقع طباخ أو بواب أو حاجب أو حتى سائس، كما في حالة الملكة فيكتوريا وقصتها المعروفة مع سائس خيلها الاسكتلندي السيد براون.