لئلا يخرج مارد جديد..

TT

في الاسبوع الماضي رفضت العديد من شركات العلف الاميركية الانصياع الى الانظمة التي وضعتها إدارة الاغذية والعقاقير في الولايات المتحدة في ما يتعلق بالاشارة الى مكونات العلف الذي تنتجه وطريقة تركيبه ومعالجته.

والهدف من هذه الانظمة الجديدة الحيلولة دون ظهور أي حالة من حالات ما يسمى «جنون البقر» الذي يدعى علميا «بوفين سبونجيفورم اسيفالوباثي» الذي ينتقل الى الانسان عن طريق تناول لحم البقر المصاب الذي يحمل عامل عدوى من البروتين يسمى «برايون» وتسمى هذه الحالة لدى اصابة الانسان بها مرض «كريوتز فيلدت ـ جاكوب».

وحتى إشعار آخر ما زالت الولايات المتحدة خالية من هذا المرض مالئ الدنيا وشاغل الناس في العقد الأخير من الزمن. لذا ترغب ادارة الاغذية والعقاقير معرفة مكونات العلف للتأكد من خلوه من بقايا اللحوم والاحشاء الحيوانية التي مصدرها المسالخ.

ورغم ان تسلسل العدوى او اسلوبها غير معروف حتى الآن، إلا ان الاكيد ان تغيير طبيعة الغذاء للحيوانات النباتية والمجترة قد ادى الى هذا المرض الغريب الذي لا نجاة منه.

ان طمع شركات اللحوم في جني ارباح افضل عن طريق الاسراع في تنمية العجول في اقصر وقت ممكن، وجعل الابقار تدر المزيد من الحليب وتنتج اللحوم، فضلا عن الانتفاع من البقايا الحيوانية، والتخلص منها في الوقت ذاته بأقل التكاليف، هي التي ادت الى مثل هذا الوضع المؤسف، والى تلك الخسائر الكبيرة، عن طريق القضاء على قطعان كاملة من المواشي، وسد الابواب امام تصدير اللحوم واستيرادها من الاقطار الاوروبية المختلفة. وقد انضمت العديد من دول العالم الاخرى الى هذه التدابير، بعد ظهور اصابات المرض في كل من فرنسا وبلجيكا وسويسرا والمانيا وايرلندا التي سارعت كلها الى اتهام بريطانيا، التي ظهر المرض عندها في البداية، بأنها صدرت اليها العلف المحتوي على بقايا حيوانية في وقت ما.

المهم ان المرض سبب موجة من الذعر في كل مكان من العالم، وتوقف العديد عن تناول لحم الابقار، بل ان العديد منهم تحولوا الى نباتيين بعدما فقدوا الثقة في سلامة جميع اللحوم الاخرى، كالغنم والطيور والدواجن والسمك. وعزز كل ذلك ظهور امراض غريبة على الغزلان في الولايات المتحدة في اوائل الشهر الماضي. ثم زاد الطين بلة ظهور تقارير غير مشجعة حول اساليب مزارع السمك التي اخذت تنتشر في كل مكان في ضوء تضاؤل الثروة السمكية في مياه العالم، اذ لوحظ انتشار الميكروبات المختلفة والباكتيريا في احواض تربية السمك، رغم اطنان المضادات الحيوية التي تضاف اليها، والتي لها ـ أي المضادات ـ مساوئ اخرى تضاف الى سموم الجراثيم.

وضع محزن فعلا، والسبب ابتعاد الانسان عن الاساليب الطبيعية في تدبير طعامه كالتي درج عليها اجدادنا من قبل يدفعه في ذلك عاملان; الاول: الجشع والطمع في جني ارباح اكثر، والثاني: محاولة التعويض عن تضاؤل الموارد الغذائية التي آلت الى مثل هذا الوضع بسبب سوء الاستخدام والتفريط في نعم الله، وبطر بعض المجتمعات على حساب توازن الطبيعة، رغم وجود مئات الملايين من البشر الذين يعيشون في فقر مدقع.

ولعل في امثولة جنون البقر درسا كبيرا في عدم محاولة التلاعب مع الطبيعة والتذاكي عليها وتغيير طبيعة الحيوانات واسلوب معيشتها وغذائها. كما ينبغي وضع «جنون البقر» نصب أعين العلماء لدى التعاطي مع الاستنساخ وعلوم الهندسة الوراثية لئلا يخرج مارد عجيب جديد من قمقمه، وهنا الكارثة.